القول الفصل في تعديل الدستور

د. عزالدين شكري فشير

Image result for ‫المجلس العسكري يجتمع بدون السيسي‬‎

ليس في الأمر اجتهاد ولا وجهات نظر. شرعية الرئيس مرتبطة باحترام االدستور الذي تولى سلطاته وفقا له. مهما كانت شرعية الرئيس المنتخب عند انتخابه، فإن تعديه على أسس الدستور الذي انتخب وفقا له يشكل كسرا لأساس شرعيته. الرئيس محمد مرسي كان رئيسا شرعيا لأنه أتى بانتخابات أعلنت نتيجتها اللجنة العليا للانتخابات وقبلها عموم الشعب. لكنه خرج عن هذه الشرعية يوم ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ حين تعدى على الأسس الدستورية التي انتخب وفقا لها. والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا شرعيا مالم يتعدى على أسس الدستور الذي انتخب وفقا له.

وتعديل مدد الرئاسة تشكل تعديا على أسس الدستور الذي انتخب السيسي وفقا له. تعديل الدستور جائز، لكن وفقا للقواعد التي حددها الدستور. والمادة ٢٢٦، التي تحدد كيفية تعديل الدستور، واضحة صريحة لا لبس فيها:

وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات

لا يجوز اذا تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية بحيث تعطي الرئيس الحالي فرصة لتولي الرئاسة بعد انتهاء مدته الثانية. وفقا للدستور لا يجوز. وفقا للدستور الذي يشكل أساس شرعية رئاسة عبدالفتاح السيسي لمصر، لا يجوز تعديل الدستور بحيث يتولى عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر بعد نهاية مدته الثانية. التعديل نفسه، إن تم، سيكون تعديلا غير دستوري، وكل ما يترتب عليه سيكون خارج إطار الدستور والقانون، أي غير شرعي.

أي، إن تم هذا التعديل وتولى عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر لفترة ثالثة ستكون رئاسته غير شرعية.

لا أحد في العالم، لا داخل مصر ولا خارجها، سيقتنع بأن هذا التعديل دستوري وأن السلطة المترتبة عليه شرعية. لا أحد، مهما رقصنا أمام اللجان، ومهما غنى الجسمي من أغنيات، ومهما زعق أحمد موسى ومحمد الباز ومصطفى بكري في التليفزيون، ومهما صرخت النائبة: عند ماما

وبالتالي، أمام الجيش الذي يحكم مصر أمرين:

الأول، والأكثر عقلا، أن يقر باستحالة وعبث المد للرئيس السيسي بعد نهاية مدته الثانية. ويقف هذه التعديلات الهزلية.

الثاني: أن يمضي قدما في هذه التعديلات غير الدستورية، مع العلم بأن الجميع، داخل مصر وخارجها، سينظر للرئيس باعتباره يحكم بدون شرعية دستورية، وانما استنادا للقوة، أي استنادا لسيطرته على دبابات ومدرعات وأسلحة وسجون وأجهزة مخابرات وشرطة واعلام.

ما خطورة هذا؟

خطورته أنه هناك دائما نقطة عندها يطفح الكوب بما فيه، أو قشة تقصم ظهر البعير. المشكلة في نقطة الطفح أو في قشة البعير أنك لا تعرف انك وصلت لها الا بعد ان يطفح الكوب أو يكون ظهر البعير قد انكسر، وساعتها يكون الوقت قد فات لفعل أي شيء مفيد.

Image result for the tipping point

في سبتمبر ٢٠١٣ حاولت – مع آخرين في “لجنة حماية المسار الديمقراطي” البائسة – اقناع السلطات الأمنية بضرورة إعادة إدماج الاسلاميين في العملية الانتقالية الجديدة، ولو قسم منهم – هؤلاء الذين يقبلون بتغييرات ٣٠ يونية. وكانت حجتنا انه من الصعب اتمام تحول ديمقراطي بدون اسلاميين، لكن السطات الأمنية رفضت. وخسرت العملية الانتقالية قسما مهما من المجتمع. لم تهتم السطات عندها، اعتمادا على تأييدها الشعبي العريض.

في نوفمبر ٢٠١٣ قلت – مع آخرين – أن قانون التظاهر سيقضي على المسار الديمقراطي ويجعل النظام الجديد بعيدا كل البعد عن أهداف الثورة والعملية الانتقالية، وبالتالي لن تعود المسألة مسألة اخوان مسلمين انحرفوا عن المسار الديمقراطي وأتت يونيو لتصحح هذا المسار وانما شيء آخر تماما. وكان رد السطات الأمنية أنهم لا يريدون لا ديمقراطية ولا يحزنون. لم يؤد انقطاع الصلة بين النظام والتحول الديمقراطي لثورة شعبية، ولا لقطع العالم علاقته بالنظام ولا لانفضاض كل مؤيدوه داخل مصر. لكن كان هناك ثمن: كل من أيد الثورة والتحول الديمقراطي (من غير الاسلاميين) انفض عن النظام الجديد. ولم يعد أحد داخل أوخارج مصر يتعامل مع النظام على انه ديمقراطي. وقالت السطات وما المشكلة.

حين أتى وقت الانتخابات الرئاسية الثانية قبضت السطات على كل من سولت له نفسه الترشح أمام الرئيس السيسي، ورأى العالم كله داخل وخارج مصر هذا الأمر على حقيقته: تأسيس لحكم الفرد الديكتاتور. وقالت السطات وما المشكلة. لكن كان هناك ثمن. غير مرئي، لكنه هناك، يساهم في ملء الكوب (أو تحميل البعير).

التعديلات غير الدستورية هذه خطوة أبعد في نفس الاتجاه: تجعل مصر ديكتاتورية عسكرية محضة، مثل تشيلي أيام بينوشيه، وأسبانيا أيام فرانكو، ومصر أيام عبد الناصر، لكن في الحقبة الثالثة من القرن الواحد العشرين. ربما لا يؤدي هذا لثورة شعبية أو عزلة دولية، لكن له ثمن. المشكلة ألا أحد يستطيع تقدير هذا الثمن بدقة إلا بعد وقوعه على رؤوسنا، وساعتها يكون الأوان قد فات.

ولهذا أقول لكم من الآن: سيكون لهذا ثمن، ولن يعجبنا هذا الثمن..