ينفع أنتخب حمدين

هناك شخصان مرشحان للرئاسة، ولكن من متابعتى للتليفزيون ومقالات الرأى شعرت بأن هناك مرشحا واحدا يصح انتخابه، هو المشير السيسى. هو الذى ناداه الشعب وكلفه، وهو مرشح الضرورة، الوحيد القادر على محاربة الإرهاب (مع إضافة أن الإرهاب هو القضية المحورية التى تواجهها مصر)، وهو الوحيد القادر على التعامل مع مؤسسات الدولة الأمنية، وهو الوحيد الذى تثق به الدول التى تساعدنا ماليا، وهو الوحيد القادر على دحر المؤامرات الخارجية، وهو الوحيد القادر على إعادة الاستقرار، هذا بالإضافة لصفاته الشخصية الحميدة: خلوق، متواضع، مؤمن، صريح، ذكى، ثعلب، مراوغ، وطنى، منقذ، وما أحببت من صفات أخرى.

طيب وماذا عن السيد حمدين صباحى؟ تتراوح الآراء فى الإعلام من الهجوم الشديد عليه والتعريض بسمعته ووطنيته وجميع صفاته إلى إبداء الاحترام له على المستوى الشخصى، مع التأكيد على أنه لن يكون قادرا على مواجهة الإرهاب، ولا على إعادة الاستقرار، ولا على دفع الاقتصاد، ولا على قيادة مؤسسات الدولة، وباختصار لن يكون قادرا على الحكم، وبالتالى، من الآخر، لا يصح انتخابه. طيب إن كان هذا هو الحال فلِمَ نجرى انتخابات؟ لِمَ لا نبايع الرجل الصح ونرحم أنفسنا وأعصابنا ونوفر فلوسنا؟

أو، إن كنا مصممين على إجراء انتخابات رئاسية لأى سبب داخلى أو خارجى، فلِمَ لا نشكل لجنة عليا لتشخيص مصلحة البلاد، تضم القامات الإعلامية والاستراتيجية الكبيرة التى تحدد الوطنى من الخائن، بحيث تفحص ملفات المرشحين وتستبعد من لا يصلح منهم لحكم مصر، ثم تجرى الانتخابات بين هؤلاء الذين تختارهم لنا اللجنة؟ أو تكمل اللجنة جميلها وتوفر علينا عناء الانتخابات وتختار لنا الرجل المناسب ونذهب نحن لمبايعته؟

للأسف ليس لدينا مثل هذه اللجنة، ومن ثم مضطر أنا للاختيار بنفسى. وهى مسؤولية لو تعلمون عظيمة. فكرت مطولا، وسألت نفسى عشرات الأسئلة، ثم اختصرت الأمر كله فى ثلاثة أسئلة أحاول الإجابة عنها كى أستطيع اختيار من أصوّت له:

الأول: هل ستواصل الأجهزة الأمنية مواجهتها مع الإرهاب لو نجح حمدين صباحى فى الانتخابات، أم ستُضرب عن العمل وتترك مصر فريسة للإرهاب والمؤامرات الخارجية والداخلية؟

الثانى: هل ستتعاون أجهزة الدولة مع الرئيس حمدين صباحى من أجل إنقاذ الاقتصاد وإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، أم ستستقل بنفسها وتواصل مسيرتها الحالية نحو الفشل؟

الثالث: هل يصلح شخص مدنى لاستعادة الاستقرار أم يتطلب الأمر شخصية عسكرية؟

ولا أريد فى البحث عن إجابة لهذه الأسئلة أن أقارن ببلاد أخرى، لأنى صرت أعرف جيدا أن مصر ليست تونس، وأن سوريا ليست ليبيا، وأن أوكرانيا ليست كوسوفو، وهكذا. فدعنا من البلاد الأخرى وتجاربها وما نجح وما فشل وخلينا فى المحروسة. هل واصلت أجهزة الأمن عملها فى حماية الأمن القومى عندما أصبح مرسى رئيساً أم توقفت؟ الحقيقة، وفقا لما قاله المشير السيسى شخصيا، فإن جهود الأجهزة الأمنية لحماية الأمن القومى- خاصة فى سيناء- لم تتوقف لحظة واحدة خلال حكم الرئيس السابق مرسى.

إذاً لا داعى لافتراض تعطلها المفاجئ عن العمل فى حال انتخاب حمدين. وقياسا على فترة مرسى وحكم الإخوان يمكن أيضا الإجابة عن السؤال الثانى. فمؤسسات الدولة كلها تعاونت مع الرئيس السابق مرسى، بل وتبارى البعض فى هذا التعاون فوق المطلوب منه، وفقا لواجباته الوظيفية، فتبرع وتطوع وبالغ فى التعاون بما أثار مخاوف الباقين من أخونة المؤسسات. إذاً المؤسسات تتعاون، والمشكلة ليست فى استعدادها للتعاون، بل فى الإطار الذى تتعاون من خلاله: هل تعمل مع الرئيس للإصلاح أم تجعل نفسها مطية لحزبه أو جماعته؟ وبالتالى فالمهم هو إخلاص الرئيس لفكرة إعادة بناء مؤسسات الدولة لا استعداد هذه المؤسسات للتعاون. يبقى السؤال الثالث: هل يصلح مدنى لإعادة الاستقرار؟ حين أقارن السنوات الثلاث الماضية أجد فترة من الاستقرار تحت قيادة المجلس العسكرى، تلتها فترة من عدم الاستقرار تحت قيادة نفس المجلس، ثم فترة وجيزة من الاستقرار تحت رئاسة مرسى (بين انتخابه وانقلابه الدستورى فى نوفمبر)، تلاها عدم استقرار حتى 30 يونيو، امتد أثناء رئاسة القاضى عدلى منصور، ثم تقلص مع الوقت.

إذاً الاستقرار ليس رهنا بكون الرئيس مدنيا أم عسكريا، بل رهن باختياراته السياسية وقدرته على إدارة الخلافات السياسية فى سياق يشهد فيه المجتمع انقسامات حادة ومتعددة، وقدرة الأجهزة الأمنية على العمل بكفاءة مع بعضها البعض ومع القيادة السياسية. طيب، إذا كانت الأجهزة الأمنية ستواصل عملها مع أى مرشح يكسب الانتخابات، وستتعاون معه بقية أجهزة الدولة من أجل إنقاذ الاقتصاد، ويمكنه إدارة انقسامات المجتمع إن أحسن سياسة أمره، فهل يعنى هذا أنه ينفع فعلا أن أختار بين المشير السيسى والسيد حمدين صباحى؟

نشر في المصري اليوم في ١٧ مايو ٢٠١٤