أصل الظروف صعبة

إذا بدأ السياسى حديثه بالقول: «أصل الظروف صعبة» فاعلم ألا فائدة ترجى منه.

وإذا انتقدت فعلاً أتاه أو موقفاً اتخذه فرد قائلاً: «وماذا عن الأخطاء التى ارتكبها الآخرون؟» فلا تكمل حديثك معه، ولا تستمع إليه ثانية، ولا توليه أمرك ولو فى خردلة، فهو ضائع وسيضيعك معه.

تهرب الإنسان من مسؤولية أفعاله علامة على سوء الخلق. فإلقاء تبعة أفعال المرء على غيره هو غش وتخل عن الأمانة التى نحملها كوننا بشر حبانا الله بعقل وأعطانا القدرة على الاختيار. وهو أيضاً علامة على عدم النضج. فالأطفال وحدهم، ومن فى حكمهم ممن لم يفارقوا طور الطفولة عقليا أو نفسيا، هم الذين يتهربون من تحمل مسؤولية أفعالهم دوماً. الأطفال، ومن فى حكمهم، هم الذين يعاقبون المنضدة بالضرب لأنهم ارتطموا بها. هم الذين يبررون تدنى درجاتهم الدراسية بصعوبة الامتحان أو ضيق الوقت أو بفشل بقية التلاميذ. هم الذين يصفون إسقاطهم لشىء يحملونه بأن الشىء «وقع منهم»- لا بأنهم «أوقعوه»- وكأن للشىء إرادة وقدرة على التصرف وهم لا.

لكن تهرب السياسى من مسؤولية أفعاله مصيبة أكبر وأشد. فهو يحول دون اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، وبالتالى يقود المجتمع كله نحو الإمعان فى الفشل. حين يتحمل السياسى وزر القيادة، سواء كانت قيادة حزب معارض أو قيادة حكومة، فإنه يتحمل مسؤولية السياسة التى يتبناها، ونتبعه نحن بحكم الثقة التى أوليناه. فإن فشلت هذه السياسة فى تحقيق أهدافها، يكون أمامه أمر من اثنين. الأول أن يتحجج بصعوبة الظروف أو يشير لآخرين فى مثل فشله أو أكثر منه، ويتساءل فى لؤم عن السبب وراء التركيز على فشله هو بالذات فى حين لا يحاسب أحد الآخرين على فشلهم، وغالبا ما يرجع ذلك لمؤامرة ما عليه. عندها يلتف أهل السياسى وعشيرته حوله ليحموه وأنفسهم من هذه المؤامرة، ويكون ثمن ذلك إمعانهم جميعاً فى الفشل.

أو، يعترف السياسى بالفشل، ويبحث عن أسبابه: هل بنيت هذه السياسة على افتراضات خاطئة حول قدرتنا وقدرة الآخرين؟ هل أخطأنا فى تقدير ردود فعل الأطراف؟ هل أغفلنا جزءا من الوقائع المحيطة بالموضوع أو أغفلنا جزءا من التغييرات التى كان يجب توقعها؟ هل هناك عيب ما فى التطبيق وهل يمكن واقعيا تصحيحه؟ فحص هذه الأسئلة بأكبر قدر من الموضوعية هو الذى يمكننا من محاسبة من أخطأ على قدر خطئه، ومن تعديل السياسة بحيث تتفادى هذه الأخطاء وتقترب من النجاح فى تحقيق أهدافها.

تحمل المسؤولية لا يعنى خروج السياسى علينا بوجه أسيف وهو يقول بصوت متهدج إنه «يتحمل المسؤولية» – مثلما فعل عبدالناصر فى أعقاب كارثة 1967. هذا السلوك الميلودرامى صورة من صور التهرب من المسؤولية لا تحملها. فهو يخاطب عواطف الناس، وكأن الفشل الذى وقع خطأ شخصى يمكن تجاوزه إن غفرنا لصاحبه وسامحناه، لا علامة وجود أوضاع فاشلة تحتاج تغييرا. كما أنه سلوك يبتز الناس ويتعمد تخويفهم بالتخلى عنهم وهم فى قلب المحنة. من يتطوع للقيادة مسؤول عن فحص الأخطاء التى وقع فيها- بالاستعانة بآخرين، وإن أراد الرحيل كونه جزءا لا يتجزأ من المشكلة، فعليه الرحيل بشكل منظم يسلم فيه الأمانة التى يحملها لشخص أفضل منه ويحظى بثقة الناس.

نعم، قد تكون الظروف صعبة، لكنك أنت الذى تطوعت لمجابهة هذه الظروف. أردت أن تقود الحزب المعارض فى ظروف قاسية، فقده نحو النجاح. أما إن كنت لا تعرف كيف تتعامل مع هذه الظروف بنجاح فلا تتطوع للقيادة ولا تخدعنا. رشحت نفسك للرئاسة وأنت تعلم ظروف هذا البلد وشعبه، فلا يجوز لك التحجج بعدها بصعوبة الظروف. ومن هنا أهمية تقدم من يرشح نفسه لأى منصب سياسى ببرنامج يحدد فيه بنفسه ما يستطيع تحقيقه فى ظل الظروف التى نعيشها والتى نتوقعها. كى يكون للناس عليهم حجة واضحة ومتفق عليها من البداية.

هل سيستمع السياسيون إلى؟ بالطبع لا. لكنى فى الحقيقة لا أخاطبهم إلا مجازا. حديثى موجه بالأساس إلى المواطن، فهو الذى يقيم السياسى ويعطيه صوته أو يحجبه عنه: أنت أيها المواطن من بيدك صلاح السياسة أو استمرار فشلها، فتذكر أن السياسى ليس زعيمك، ولا كبيرك، ولا رمزك الوطنى، بل هو شخص تأتمنه على حماية ما تخاف عليه ولا تستطيع وحدك حمايته- وهو ما نسميه مجازا بالمصلحة العامة. فاسأل نفسك أيها المواطن: إن استأجرت خفيراً لحماية البيت ووفرت له ما يطلبه لأداء مهمته ثم فشل فى حمايته، أو استأجرت مزارعاً لرعاية أرض وأعطيته ما يطلب لأداء مهمته ثم بارت الأرض، أو استأجرت سائقاً وأعطيته ما يطلب لقيادة السيارة فأكثر من الحوادث، هل تحاسبهم؟ وإن حاسبت أحدهم فرد عليك قائلاً «أصل الظروف صعبة»، فبالله عليك ماذا أنت فاعل معه؟.

نشر في المصري اليوم في ١٢ ابريل ٢٠١٤