كرسي وصندوق وسرير

نشر فى : السبت 18 يوليه 2009 – 6:59 م | الشروق

خير رد على جريمة قتل مروة الشربينى أن ننشئ كرسيا باسمها للدراسات العربية والإسلامية فى إحدى جامعات مدينة دريسدن التى كانت مروة وأسرتها تعيش بها، يشجع الطلبة والدارسين على التعرف على الشعوب والجاليات العربية والإسلامية عن قرب، وينشر صورة واقعية عن قيمنا وتاريخنا وثقافاتنا المتنوعة وظروفنا السياسية والاجتماعية، فى بلادنا وفى أوروبا، بما يبدد بعضا من الظلمات التى تغلف عقول الأوروبيين والصور النمطية التى يحملونها عنا. وعادة ما تشمل نشاطات كراسى الدراسات تعيين أستاذ بالجامعة التى تستضيف البرنامج، وخلق مواد دراسية جديدة، وتقديم منح لاجتذاب الطلبة لدراسة هذه المواد وتشجيعهم على إجراء بحوثهم فى موضوعات متصلة بها، وكذلك طباعة وترويج الدراسات والكتب التى تخدم هدف هذا الكرسى.

ويمكن تمويل كل ذلك من مساهمات مصرية وألمانية، وأكاد أجزم أن الشركات الألمانية الكبرى التى تتعامل مع العالم العربى سترحب بالمشاركة فى تمويل هذا العمل، وكذلك الحكومة الألمانية التى سيسعدها أن تجد وسيلة سهلة لإبراء ذمة ألمانيا من تهمة العنصرية التى تطاردها. وربما، لو صادفنا بعض الحظ، لوافق بعض رجال الأعمال المصريين من المتعاملين مع ألمانيا على المساهمة، وكذلك الحكومة المصرية ولو بمساهمة رمزية دعما لجدية الفكرة. أما الإشراف على عمل هذا الكرسى فيمكن أن يتولاه مجلس إدارة صغير من خمسة أشخاص، اثنان من ألمانيا واثنان من مصر، ويرأسه أحد أبناء الجالية المصرية فى ألمانيا.

إن فعلنا ذلك، نتجاوز الحزن والبكاء والنواح واللوم، ونقلب السحر على الساحر. ففى حين يخلد الكرسى اسم الضحية البريئة، ويذكر الألمان بأن العنصرية لم تمت فى بلادهم وبأن نتائجها يمكن أن تصل حد القتل الأعمى، فإننا فى ذات الوقت نعكس نتيجة الجريمة، فبدلا من أن تؤدى لإذكاء الفتنة وتخويف الجاليات العربية والإسلامية وزيادة الهوة بين الشرق والغرب، فإننا نحول المأساة التى وقعت إلى شعلة تنير الطريق وتحارب الكراهية وتنشر التسامح.

وإن أردنا أن نكون أكثر طموحا، لأنشأنا صندوقا باسم مروة الشربينى، يتولى ليس فقط دعم المشروعات التى تهدف الى نشر المعرفة بالعالم العربى والإسلامى، وإنما أيضا مساعدة الجاليات العربية والإسلامية فى أوروبا ككل على الدفاع عن حقوقها القانونية فى بلدان المهجر، من خلال تبصير أبناء الجاليات بحقوقهم، وبكيفية حمايتها، وتقديم المساعدة القانونية لهم إن لزم الأمر. وكذلك مساعدة الجاليات على الاندماج فى محيطها الأوروبى، من خلال تمويل المشروعات التى تهدف لتسهيل اندماج أبناء هذه الجاليات فى مجالات التعليم والتدريب والتوظيف والإسكان بل حتى ممارسة الحياة الاجتماعية فى إطارها الأوروبى الذى يعيشون فيه، ومساعدة الجاليات على تنظيم نفسها والتعاون فيما بينها على مواجهة المشكلات المشتركة.

وبديهى أن مثل هذا الصندوق يجب أن يكون جهدا مدنيا خالصا، بلا تدخل من الحكومات فى إدارته أو حتى تمويله، وإن كان الأمر لا يمنع أيا من الحكومات العربية من حث أصدقائها ومحبيها على مد يد العون المالى وغيره للمساهمة فى إنشاء هذا الصندوق ودعمه. وبديهى أيضا أن مثل هذا الصندوق سيحتاج لتمويل أكبر بكثير من مجرد إنشاء كرسى للدراسات، ولكن المال لا ينقص العرب والمسلمين، وبضعة مئات من ملايين الدولارات لا تشق على الذين دفعوا أضعاف ذلك لتمويل عمليات تنظيم القاعدة وأذكوا نار الفتنة بأيديهم وأموالهم. فلنقل إذن إنها فرصة لهؤلاء كى يستغفروا.

إن لنا قرابة الثلاثين مليونا من العرب والمسلمين فى أوروبا، وربما أكثر، فمن الصعب تحديد الرقم بدقة. وهؤلاء يمكن أن يكونوا ذخرا للعرب والمسلمين، وأن يكونوا جسرا يقرب بين الغرب وبين الشعوب العربية والإسلامية، ويمكن أن نتركهم فريسة لخصومنا ومن يريدوا بنا شرا، بحيث يتحولوا لخطر يجرنا ويجرهم لمزيد من الكراهية والمواجهات.

يمكن أن ننشئ كرسيا، أو صندوقا، ويمكن أن نستسلم للواقع ولا نحرك ساكنا، فنبكى على قتل هذه الشابة المصرية بلا ذنب اقترفته، ونستنكر العنصرية البشعة التى تكمن خلف هذه الجريمة، ونندد بالكراهية التى يحملها عدد متزايد من الأوروبيين للإسلام، ونؤكد أن الإسلام دين تسامح وأن المسلمين ليسوا إرهابيين، ثم نبحث جميعا عن سرير ننام فيه حتى تدهمنا المصيبة التالية.