الجارية والسيد والجيران

نشر فى : السبت 4 يوليه 2009 – 4:51 م | الشروق

 من المؤكد أن أغلبيتنا ترغب فى قيام مصر بلعب دور محورى فى المنطقة، ولكن من غير المؤكد أننا مستعدون لتحمل تبعات هذا الدور.

نحن غاضبون لأن السودان يواجه وحده خطر الانقسام بين الشمال والجنوب، وخطر التفتيت فى الغرب والشرق، وخطر الانهيار فى الوسط. نطالب الدولة بأن «تفعل شيئا» ونتساءل عن سر غياب مصر عن الساحة السودانية التى تؤثر مباشرة على الأمن القومى المصرى. لكن هل نحن ــ كشعب ــ على استعداد لتحمل التبعات الفعلية للتواجد على هذه الساحة؟ هل نحن على استعداد لأن نستقطع من ميزانيتنا المحدودة مئات الملايين من الدولارات وننفقها على إعمار وتنمية الجنوب ومساعدة حكومته الناشئة كى تكون الوحدة خياراً جذاباً مثلما تقضى اتفاقية السلام السودانية؟ هل نحن على استعداد لإنفاق ملايين أخرى «لتأليف قلوب» القبائل الدارفورية وزعمائها ومتمرديها ونازحيها من أجل التوصل لاتفاق سلام وتنفيذه؟ وغير المال، هل نحن على استعداد لإرسال قوات بأعداد كبيرة لتثبيت الوضع فى دارفور وحماية المدنيين وفرض احترام وقف إطلاق النار حين يتطلب الأمر ذلك؟ وهل نحن ــ كشعب ــ على استعداد للتوقف عن الدعم غير المشروط للحكومة السودانية بحيث تزيد مصداقيتنا مع حركات التمرد السودانية المختلفة ومع المجتمع الدولى وبالتالى نتمكن من لعب دور فعال؟

نفس الأسئلة تطرح نفسها بالنسبة لدولة الصومال المنهارة: هناك قراصنة فى القرن الواحد والعشرين على باب المندب، أى على المدخل الجنوبى لقناة السويس. وقد أرسلت الدول الكبرى وغير الكبرى سفنها الحربية لحماية الملاحة الدولية عبر مدخل البحر الأحمر. هل يقبل الشعب أن ترسل الدولة سفنها الحربية لمقاتلة القراصنة أو إرسال قوات لحماية المدنيين الصوماليين وتثبيت الحكومة الشرعية ومقاتلة المتمردين؟ وهل يقبل المجتمع بأن نقطع من قوتنا الضئيل لنمول المطالب التى لا تنتهى للفصائل الصومالية أو للنفق على إعادة بناء الدولة الصومالية من أول وجديد؟
كذلك الأمر بالنسبة لدورنا فى العراق. هل سنكون على استعداد ــ كمجتمع ــ لتحمل عواقب قيامنا بلعب دور نشط فى العراق بعد الانسحاب الأمريكى، بما فى ذلك المشاركة فى حفظ الأمن؟ وإذا اندلعت مواجهات طائفية، هل سنكون مستعدين للقيام بمهام مباشرة فى إعادة السلم الأهلى، بما يتضمنه ذلك من مواجهات وتضحيات بشرية وتكلفة مالية؟

أم أننا فى نهاية الأمر نريد الدور المحورى دون أى من نفقاته؟

منذ عدة أعوام سأل أحد الإعلاميين وزير الخارجية أحمد أبوالغيط عن تقلص الدور المصرى فأجاب قائلاً: «والله اطبخى يا جاريه، كلف يا سيدى». انتقده الرأى العام وقتها، وانصبت الانتقادات على التشبيه الذى استخدمه بدلاً من مناقشة مضمون حديثه. ولكن الحقيقة أن إجابة الوزير أصابت قلب المشكلة فى الصميم. وعلى عكس ما فهم الكثيرون وقتها، فإن الجارية فى هذه القصة هى الدولة، والسيد هو المجتمع. لا تستطيع الدولة أن تقوم بدور خارجى نشط دون أن يكون المجتمع متقبلاً للنفقات البشرية والاقتصادية التى يتطلبها هذا الدور. لا تستطيع الدولة أن تقتطع من ميزانية التعليم والصحة والمواصلات وتنفقها على إعمار جنوب السودان، أو أن ترسل أبناءنا للقتال فى أرض غريبة، ما لم يكن هناك تقبل عام داخل صفوف المجتمع لهذه التضحيات والنفقات. ولا تستطيع الدولة أن تلعب دوراً فعالاً دون أن تلين مواقفها وتضغط أحياناً على حلفائها التقليديين بحيث تتمكن من التوفيق بينهم وبين خصومهم. باختصار، لا تستطيع الدولة أن تلعب دوراً خارجياً نشطاً ببلاش. لا يمكن للجارية أن تطبخ طعاماً فاخراً ومكلفاً مادام السيد لا يريد أو لا يستطيع تحمل هذه التكاليف.

والحل؟

أولاً: أن نكف عن الصراخ كمجتمع ونهدأ قليلاً ونأخذ نفساً عميقاً، ثم نفكر بشكل أكثر موضوعية فى حدود إمكانياتنا وحدود دورنا، وكيفية استخدام مواردنا البشرية والمالية فى المجال الخارجى استخداماً أمثل.

ثانياً: أن نقر بضرورة اقتسام مهام القيادة مع الدول العربية الأخرى. فهناك أشياء نستطيع نحن أن نقوم بها أفضل من غيرنا من الجيران العرب، وهناك أشياء أخرى يستطيع الجيران القيام بها أفضل منا. ولا يعنى ذلك أن نتولى نحن القيادة ويتولوا هم دفع المصاريف! بل أن نتقاسم المهام والمسئوليات بشكل يتناسب وقدرات كل منا وبشكل يحترم مصالح كل منا، وأن نقبل ألا يكون أحد منا فى الصدارة طيلة الوقت. ليس ذلك عيباً ولا حراماً، بل هو عين العقل والأفضل لهم ولنا فى نفس الوقت.