أنا ميمو؟

نشر فى : السبت 13 يونيو 2009 – 9:19 م | الشروق

 أحد أهم الموضوعات المتعلقة بكيفية تعاملنا مع العالم هو رؤيتنا للدور المصرى فى المنطقة والعالم. حيث يشكو المجتمع ــ من سائقى التاكسى حتى القيادات الفكرية ــ من تآكل أو انتهاء الدور المصرى لصالح السعودية، أو إيران، أو تركيا، أو حتى قطر. وطبعا ترد الحكومة بالنفى، مقللة من أهمية دور هذه الدول، ومشيرة لاستمرار «محورية الدور المصرى» فى معظم الملفات الإقليمية، ومؤكدة أن مقومات القيادة لا تتغير بهذه السرعة وإنما الذى يتغير هو مستوى التدخل فى هذه القضايا، وهو قرار يخضع لاعتبارات الملاءمة السياسية وحسابات المكسب والخسارة.

ولا نية لى فى الدخول فى هذا الجدل الذى أصبح جزءا من اللعبة السياسية للحكومة والمعارضة. وإنما أريد أن أطرح بعض الأسس التى تقوم عليها رؤيتنا للدور المصرى فى المنطقة، وأدعو لإعادة فحص هذه الأسس والتفكير فيما إذا كانت تتناسب والعالم الذى نعيش فيه اليوم والتغيرات التى تحدث لنا ومن حولنا.

أول هذه الأسس هو طبيعة وشروط ممارسة القيادة بين الدول. فإذا كانت الدول كلها ذات سيادة، ومتساوية أمام القانون أو على الأقل تحب أن تعتقد فى صحة ذلك المبدأ، وإذا كانت كل الشعوب لها كرامة وكبرياء وإرادة مستقلة وتحب من حكوماتها أن تعكس ذلك فى مواقفها الخارجية، فكيف يمكن لدولة أن تقود دولا أخرى، ووفقا لأى شروط؟

القيادة بين الدول ليست حقا مكتسبا ينظمه تسلسل قيادى يلزِم الدول الأضعف بالتشاور مع الدولة القائد قبل التصرف. وهى ليست تسلطا أو بلطجة على طريقة «أنا ميمو ياض». طبعا بعض الدول تمارس البلطجة أحيانا على الدول الأضعف، فتهددها باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية ضدها. لكن البلطجة لا تخلق قيادة بل خضوعا، وهو غالبا مؤقت وتكلفته عالية جدا لأن الدولة البلطجية تعرف أنه فى اللحظة التى تضعف فيها قبضتها ستخرج الدولة الأضعف عن سيطرتها.

القيادة بين الدول تستند لضرورة موضوعية يفرضها أمران: وجود مصالح (ومشكلات) مشتركة بين الدول المجاورة، وغياب سلطة مركزية تنظم هذه المصالح. على سبيل المثال، الأمن العربى له أبعاد تتخطى قدرة أى دولة منفردة، مثل تلك المتعلقة بمواجهة التحدى الإسرائيلى، أو أمن الخليج، أو وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو خطر التفتت والانهيار كالصومال والسودان وموريتانيا ولبنان وفلسطين. نفس الشىء ينطبق على التحديات الاقتصادية، وتلك الخاصة بتدهور البيئة وندرة المياه، وعشرات القضايا الأخرى التى تنبع من حجم الروابط بين العرب وبعضهم.

فى غياب سلطة عربية مركزية، تنشأ الحاجة لمن يحشد الدول وينسق بينها ويأخذ المبادأة فى تحريكها وفى تنظيم التعاون بينها، أى تنشأ الحاجة لمن يقود حركتها.

لكن القيادة لها تكاليف، أولها أن تكون الدولة القائد على استعداد للتضحية بمصلحتها الخاصة من أجل صيانة المصلحة العامة لمجموع الدول. فلو شعرت الدول الأخرى بأن الدولة القائد تستغل مركزها لحماية مصلحتها الفردية لقلصت تعاونها أو أوقفته فعليا حتى لو تظاهرت بغير ذلك. ثانيها أن تكون الدولة القائد مستعدة للإنفاق من مواردها المالية والتنظيمية والعلمية والثقافية، وطبعا العسكرية فى خدمة قيادتها للمصالح المشتركة. وثالث هذه التكاليف أن تكون الدولة القائد على استعداد دائم لأخذ المبادرة فى يدها وتحمل مخاطر سياسية من ضمنها أن تزايد عليها الدول الأخرى وتحمّلها التكلفة السياسية للمواقف غير الشعبية التى تضطر لأخذها.

بمعنى آخر، عندما يتعلق الأمر بقرار غير شعبى ومكلف سياسيا للحكومات، يجب أن تكون الدولة القائد على استعداد للسماح للدول الأخرى بالاستعباط وادعاء أنها تصرفت تحت ضغط منها.

وبالإضافة لتكلفة القيادة، ولتوفر عناصر القوة المادية والسياسية التى تسمح للدولة بهذا الإنفاق الفاخر، يجب أيضا أن يكون لدى الدولة القائد رؤية واضحة لكيفية حماية المصالح المشتركة وكيفية إدارة المشكلات المشتركة، وأن تستطيع إقناع الأغلبية بهذه الرؤية، وبأنها فى سعيها لتحقيقها لا تهدد مكانة أى من الدول الأعضاء.

بهذا المعنى، فإن القيادة تعكس قوة الدولة واستعدادها لاستخدام هذه القوة لخدمة نظام جماعى تقيمه وتسهر على احترامه، وقبول بقية الدول بذلك واعتقادها بضرورة قيامها بلعب هذا الدور والإيمان بأنه لن يضر بمصلحتها.

طبعا سيعكس هذا النظام مكانتها المتميزة وسيحمى مصالحها، ولكن بشكل غير مباشر، ودون جور على مصالح الدول الأخرى.

وخير مثال على ذلك هو قيادة الولايات المتحدة للمعسكر الغربى منذ الحرب العالمية الثانية، حيث اعتمد نجاح أمريكا فى إقامة نظام للمصالح والمشكلات المشتركة لأعضائه على التزامها بالشروط السابق الإشارة إليها. فى حين تعرضت قيادتها للتشكيك والمعارضة وعدم التعاون عندما تخلت عن هذه الشروط ولجأت لأسلوب «أنا ميمو».

وللحديث بقية.