الزعيم القائد

نشر فى : السبت 23 مايو 2009 – 8:03 م | الشروق

كثيرا ما نتبع شخصا لأننا نخاف من بطشه، والأمثلة على ذلك كثيرة، من القائد الركن إلى قائد الميليشيا. لكن ذلك يجعل الشخص ديكتاتورا أو بلطجيا، لا قائدا. القائد شخص يرغب الناس فى اتباعه. شخص يثق الناس فيه وفى قدرته على أن يدلهم على الطريق الأفضل لهم ويريدون منه أن يأخذهم على هذا الطريق. فما الذى يجعل شخصا ما قائدا؟ ما الذى يؤهل المرء لقيادة شعبه؟ وما هو دور القائد؟

هناك إجماع على أن القائد شخص يعرف الناس ومعاناتهم ومشكلاتهم ومشاعرهم وآمالهم ويترجمها كلها إلى مواقف. يرى الناس هذه المواقف ويشعرون بأن نعم، هذا هو ما نريد. أحيانا، يكون القائد قادرا على جعل الناس تكتشف فى أعماقها أشياء كانت لا تدرك أنها تريدها.

ولكن أليس هذا النوع من القيادة سهلا وبسيطا أكثر من اللازم بحيث يمكن لأى مدعٍ تقليده؟ كلنا نعرف عمق مشاعر الظلم والإحباط والمهانة والغضب التى تجتاح الشعوب العربية، ويمكن لأى سياسى رزقه الله «بالقبول» وحباه ببعض القدرات الخطابية أن يلعب على هذه المشاعر ويذكيها ويحولها لرأس مال يجعل منه زعيما. ولدينا فى تاريخنا العربى الكثير من القادة والزعماء، أو على الأقل ممن يعتبرون أنفسهم كذلك، ممن بنوا مكانتهم على هذه القدرات اللفظية. ولكن هل القيادة أن تسير خلف مشاعر الناس ورؤاهم أم أن تقود الناس خلف رؤية تطرحها أنت؟ هل القيادة أن «تسخن» الناس وتأخذ قرارات تشعرهم بالرضا أم أن تواجههم بضرورة القرارات التى لا ترضيهم؟

وجدت إجابة لهذا السؤال بالصوت والصورة لدى بيتر وير، المخرج الاسترالى الأصل فى فيلمه «السيد والقائد» الذى قام ببطولته رسل كرو عام 2003. يواجه قائد سفينة (رسل كرو طبعا) موقفا من هذه المواقف التى تتطلب الاختيار بين رضا الناس الفورى وبين مصلحتهم. ففى وسط عاصفة شديدة يتسلق أحد الملاحين الصارى ليلم الشراع قبل أن تمزقه الريح وتقضى على السفينة، إلا أن الصارى ينكسر وتقذفه الريح بالملاح المربوط فيه وسط الأمواج العاتية، ويظل الملاح وصاريه المكسور مربوطين بالسفينة بحبل الصارى الذى يشد السفينة كلها نحو الغرق معهما. يحاول القبطان وبقية الملاحين أن يجذبوا زميلهم من البحر لينقذوه وينقذوا السفينة. إلا أن الأمواج والريح تدفع بالملاح والصارى والسفينة المربوطة بهما نحو الغرق مع كل دقيقة تمر. يتناقش القائد مع مساعديه: إما أن يقطع الحبل الذى يربط السفينة بالصارى والملاح، وبالتالى يرسل الملاح لموت محقق وينقذ السفينة، أو يستمر فى محاولة جذب الملاح والصارى نحو السفينة بما يعرضها للغرق. لا يوجد قبطان أو ملاح يطاوعه قلبه أن يغرق زميله بيده، فهم بطبيعة عملهم إخوة ضد البحر. لكن الخيار واضح، وعندما يخلص القبطان ومساعدوه لهذه النتيجة، يصمم أن يقطع هو الحبل بيده. يضرب الحبل بالبلطة ويتمزق فى داخله كأنه يقطع فى لحمه. لماذا؟ لأنها مسئوليته، لأنه هو القائد، لأنه هو الذى يستطيع أن يواجه بقية الملاحين بهذا القرار المؤلم وأن يصدقوا أنه اتخذه حفاظا على سلامة السفينة.

لا يهرب القائد من القرارات غير الشعبية، لا يحاول التنصل منها، ولا يحاول تأجيلها عسى أن تختفى الحاجة لها بقدرة قادر، ولا يصور للناس أن وضعهم أفضل مما هو عليه. القائد هو الذى يأخذ قرارا صعبا عليه وعلى الناس لأنه يعرف أن فيه المصلحة العامة، ويصدقه الناس رغم ألم القرار ويتبعونه.

القائد الذى لا يفعل ذلك ليس قائدا، بل مدعٍ. وحين تحل المصيبة وتضرب الناس، يخرج عليهم ليعتذر، أو يبرر ما حدث، أو يلصق المسئولية بآخرين، أو يعد الناس بوهم زائف آخر سوف يأتى، أو ــ حين يتمتع بالصفاقة الكافية ــ يدعى أنهم فى حقيقة الأمر منتصرون!

لو أن قبطان سفينة بيتر وير لم يقطع الحبل لانقلبت السفينة فى تلك العاصفة العاتية. فماذا كان سينفع البحارة أن يعتذر لهم القبطان قبل أن تبتلعهم الأمواج جميعا؟