المعايير السريلانكية

نشر فى : الأحد 3 مايو 2009 – 10:28 ص |الشروق

 من أكثر مقولاتنا شيوعا أن العالم يكيل بمكيالين: واحد للعرب والمسلمين، والآخر لبقية خلق الله. ولدينا عشرات الأدلة على ذلك:

لماذا يحيل مجلس الأمن جرائم الحرب فى دارفور للمحكمة الجنائية الدولية ولا يحيل جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى كل حروبها؟ لماذا يقف العالم فى مواجهة سعى إيران لتطوير سلاح نووى ويصمت على ترسانة إسرائيل النووية؟ لماذا قام العالم ولم يقعد حتى تم تحرير الكويت من الاحتلال العراقى فى حين ترك فلسطين تحت الاحتلال منذ عشرات السنين؟ لماذا ينتقد الغرب الدول العربية لانتهاكها حقوق الإنسان ويسكت عن انتهاكات غيرها….، وهكذا.

والحق أن العالم يكيل بمكيالين، بل أحيانا بعشرة.

الغريب فى الموضوع أننا لا نمل ولا نكل من تكرار هذا «الاكتشاف». وفى كل مرة يفصح العالم عن ازدواج معاييره ــ وهو ما يحدث طول الوقت ــ يكون رد فعل بعضنا أن يصرخ «هذه معايير مزدوجة» ثم يصمت. وكأنه بذلك قد أمسك بالحرامى، وكأنه بذلك قد حل المشكلة. وتيسيرا على محللى ومتابعى الشئون الدولية، اقترح أن نكتب فى أعلى صفحات الشئون العالمية بالصحف وفى شريط الأخبار أسفل كل نشرة تليفزيونية أن «للعالم معايير مزدوجة» كى نخلص من هذا الموضوع ونركز فى الأمور الأهم، وهى: كيف ندافع عن مصالحنا فى هذا العالم (الذى يتعامل بمعايير مزدوجة)؟

الأغرب من ذلك؛ أننا فى خضم غضبتنا على العالم (الذى يتعامل بمعايير مزدوجة) لا نلاحظ أننا نحن أيضا نتعامل مع الآخرين بمعايير مزدوجة. نحن ننتقد العالم باستمرار على صمته عما يحدث لشعوبنا من مآسٍ، خاصة فى فلسطين. لكن هل يذكر أحد ماذا فعلنا نحن أو قلنا حين قامت قبائل تنسب نفسها للعروبة بقتل وتشريد مليونىّ إنسان من أبناء دارفور؟ هل يذكر أحد ماذا فعلنا نحن أو قلنا حين قام الصرب بذبح وتشريد عشرات الآلاف من أبناء البوسنة وكرواتيا، ثم مرة أخرى أبناء كوسوفو؟ هل يذكر أحد ماذا فعلنا نحن أو قلنا حين قام أبناء الهوتو بذبح مئات الآلاف من أبناء التوتسى فى رواندا؟ راح 800 ألف إنسان ضحية هذه المذابح التى استمرت أياما طويلة، وكل ما اهتممنا به هو مدى التلوث الذى قد يصيب النيل من تكدس الجثث الرواندية فيه! بالله عليك ماذا تسمى هذا؟

واليوم، يقوم الجيش السريلانكى بتصفية آخر جيوب «المقاومة» لمتمردى التاميل، وفى خضم هذه «العملية العسكرية» يحاصرهم مع عشرات الآلاف من المدنيين فى قطاع من أراضى سريلانكا ويقصفهم جميعا بالأسلحة الثقيلة بغض النظر عن مدى التدمير الذى يلحقه القصف بمنازل المدنيين وعدد الضحايا الذين يسقطون. وحين تسأل الحكومة السريلانكية عن ذلك تقول: إن المتمردين يختبئون وسط المدنيين، وأن جيشها يحاول قدر الإمكان تفادى إيقاع ضحايا بين الأبرياء وأن الذنب يقع على المتمردين الذين يتخذون من المدنيين درعا بشرية، وتواصل القصف. وحتى الآن يقدر عدد من شردوا بمئتى ألف شخص. لماذا لا يذكرنا ذلك بغزة؟ بغض النظر عمن على صواب ومن على خطأ فى الصراع بين الحكومة والمتمردين فى سريلانكا، ما الفارق بين موقف الطفل السريلانكى المحاصر بين القذائف وبين الطفل الفلسطينى المحاصر بين القذائف الإسرائيلية؟ وكيف نفسر صمتنا قولا وفعلا سوى أننا لا يهمنا ما يحدث لغيرنا؟

فى كل هذه الحالات، كنا نحن جزءا من العالم. كنا جزءا من ذلك الشىء المبهم الذى ننتقده طيلة الوقت لأن معاييره مزدوجة. فى كل هذه الحالات، وقف أبناء دارفور والبوسنة وكوسوفو ورواندا وسريلانكا يتساءلون: أين العالم ولماذا يقوم العالم ولا يقعد حين يتعلق الأمر بقضية فلسطين فى حين لا يتحرك أحد لإنقاذ حياتهم؟. فى هذه الحالات كنا نحن، سيداتى وسادتى، من نكيل بمكيالين: واحد لقضايانا المهمة، والآخر لقضايا الآخرين غير المهمة.

عندما نضيف ملحوظة «للعالم معايير مزدوجة» لصفحات الشئون الخارجية وشريط الأخبار، أقترح أن نضيف إليها «ومن كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر».