إني أتهم

نشر فى : السبت 28 مارس 2009 – 9:09 م |الشروق

 أحيانا تُتَهم الحكومة بأن سياستها الخارجية تقوم على رد الفعل دون أن يكون لديها رؤية واضحة لما تريد تحقيقه من أهداف. أحيانا أخرى تُتَهم بأنها تخضع لمخططات أجنبية لمنطقتنا. وغالبا ما تُتَهم بأنها قد أضاعت «الحلم العربى» وقنعت منه بالفتات. وأريد اليوم أن أرد التهمة لأصحابها، فأتهم بدورى المجتمع بهيئاته وقادة الرأى العام فيه بأنهم لا يطرحون رؤية واضحة لمستقبل مصر وعلاقتها بالعالم، وأنهم مشغولون طول الوقت بالتكهن بنوايا القوى الأخرى ومخططاتها دون أن يطرحوا «مخططا» خاصا بنا نحن ــ أى دون أن يبلوروا ملامح «الحلم» المصرى أو العربى، وأنهم بذلك غارقون فى سياسة «رد الفعل» التى ينتقدونها طيلة الوقت.

نحن ــ كمجتمع ــ نعرف ما لا نريد: لا نريد أن يظلمنا أحد أو يتحكم فينا أحد أو يهدد سيادتنا أحد، وغير ذلك من العموميات التى لا يريدها أى شعب. لكننا لا نعرف ما نريد. ما هو الحلم المصرى؟ ماذا نريد أن نكون بعد عشرين أو خمسين عاما؟ كيف نرى مكاننا فى العالم ودورنا؟ لنضع جانبا ما يريده الآخرون لنا: الأمريكان والإسرائيليون والإيرانيون والأتراك وغيرهم ــ ماذا نريد نحن أن نحققه؟ هل نريد أن نقود العالم العربى ونكون مركزا لإمبراطورية عربية موحدة ومركزية بما يتضمنه ذلك من أعباء ومزايا؟ أم نريد أن نكون دولة قوية تتعاون مع جيرانها ولكن تركز طاقتها فى شئونها؟ وماذا نريد للدول العربية نفسها: هل نريد أن تندمج نظمها الاقتصادية والاجتماعية مع احتفاظها بسيادتها مثلما يجرى فى الاتحاد الأوروبى؟ أم نسعى خلف نموذج أقل اندماجا مثلما الحال بين دول أمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا؟ كيف نريد أن تكون علاقتنا بالغرب والولايات المتحدة خلال العشرين عاما القادمة؟ هل نريد أن نكون تركيا أم إيران؟ وما هو شكل العالم الذى نحلم بتقويته: عالم يقوم على سيادة الدول أم عالم يقوم على مؤسسات دولية وعولمة لقواعد القانون والعدالة على حساب سيادة الدول؟.

وما هى رؤيتنا للدول غير العربية فى المنطقة؟ هل نريد سلاما وتعايشا مع دولة إسرائيلية غالبيتها من اليهود بجانب دولة فلسطينية؟ أم نريد حصارا لإسرائيل حتى تنهك قوتها وتذوب فى محيطها العربى الأوسع؟ هل نريد تعبئة عسكرية وقتالا مثل حزب الله أم نريد اتباع طريقة غير عسكرية؟ ما هو تصورنا لدور الدولتين غير العربيتين الأخرتين ــ إيران وتركيا ــ وعلاقتنا بهما؟
إنى أتهم المجتمع بأنه ليس لديه أجوبة عن معظم هذه الأسئلة، بل إن البعض يعرض عن محاولة الإجابة، ربما للتهرب من مواجهة الواقع وربما يأسا واعتقادا بأننا أضعف من أن نحقق رؤيتنا الخاصة بنا. لكننا لسنا بهذا الضعف، وليس هناك حلم مستحيل التحقيق مع الوقت والعمل ــ طبعا إن كان الحلم متسقا مع ثوابتنا الوطنية وليس تهاويم.

ما أتهم به المجتمع وقادة الرأى فيه إذا هو التقصير فى بلورة رؤى وطنية للمستقبل تحدد من نحن ومن نريد أن نكون وأين نريد أن نصل وطرحها للنقاش العام حتى تتبلور رؤية عامة. وأزيد فأقول إن هذه مهمة المجتمع لا الحكومة. دور الحكومة يأتى فى ترجمة هذا الحلم لخطط واقعية، والتمييز بين اعتبارات المدى القصير وحماية أهداف المدى البعيد. عندها يمكن لقادة الرأى أن ينتقدوا الحكومة إن حادت عن الطريق أو أهدرت الحلم البعيد لحساب اعتبارات المدى القصير. هكذا تفعل المجتمعات والحكومات فى البلاد التى تصل لشىء ما. ولكن من أجل أن نصل لغايتنا، يجب أن نحدد أولا ما هى هذه الغاية؟.

بدلا من الشكوى من أننا نسير ونتوقف دون منطق مفهوم سوى محاولة تفادى الاصطدام ببقية السائرين، علينا أن نبدأ فى التفكير والحوار حول المسار الذى نريده والمحطة التى نريد الوصول إليها. دون أن يطرح قادة الرأى رؤية إيجابية ومحددة للمستقبل، فلن نفعل شيئا أكثر من رد الفعل، حكومة وشعبا.