الثلاجة عطلانه ياولاد الـ….


قرأت من عام أو يزيد تشبيها للوضع في مصر بثلاجة عطلانه، كلما وجد أصحابها أن الطعام فسد داخلها فوجئوا. وأعتقد أن هذا التشبيه مفيد لا لمصر فقط، ولكن للمصريين أيضا.

الثلاجة عطلانة ياولاد الـ ….

الرئيس مبارك أنكر أن الثلاجة عطلانة، لمدة ثلاثين عاما، حتى فاحت رائحة الطعام الفاسد وتراكمت جثث الموتي بالتسمم في المستشفيات والطرق ومياه البحر المتوسط.

الإخوان دهنوا الثلاجة بالأخضر، ورسموا عليها سيفين ومصحف، وحين اعترضنا ان المطلوب اصلاح الثلاجة أو تبديلها اتهمونا بازدراء القرآن وهددونا بإقامة الحد علينا.

العسكريون دهنوا الثلاجة بعلم مصر، وحين اعترضنا ان المطلوب اصلاح الثلاجة أو تبديلها اتهمونا بكراهية العلم، وحبسونا في السجون.

المعارضون الليبراليون أبدوا تأففهم من أعطال الثلاجة المتكررة، مطالبين بثلاجة جديدة مطابقة للمواصفات العالمية، وحين سألهم الناس كيف نصلح أو نغير الثلاجة، من يعرف كيفية إصلاحها، أو من أين نأتي بثمن ثلاجة جديدة، وكيف سنعيش حتى يتم الإصلاح أو التجديد، أبدوا استغرابهم من السؤال، مؤكدين أن مهندسي مصر وعلمائها قادرين على اصلاح الثلاجة وتغييرها فورا إن توفرت الإرادة السياسية. ثم ختموا مرافعتهم بتأكيد أن المشكلة في (مبارك) (مرسي) (السيسي) وأن إجراء انتخابات رئاسية (مبكرة) هي الحل لمشكلة الثلاجة العطلانة.

المعارضون اليساريون سخروا من هذا، مؤكدين أن كل هؤلاء لا يركزون على القضية الحقيقية، وهي من يملك الثلاجة، ومن يستفيد منها ومن استمرار أعطالها، وأكدوا أن الحل هو تمكين القطاعات الأكثر فقرا بحيث تستطيع المشاركة في إدارة الثلاجة وتقرير مستقبلها. وأضاف بعضهم أن عطل الثلاجة مرتبط بصناعة الثلاجات في العالم كله، وأن عطلها الدائم ليس صدفة بل هو مطلوب لعمل الثلاجات في بقية العالم، لأن الكهرباء محدودة ولو عملت ثلاجتنا بنجاح ما تبقى من الكهرباء ما يكفي بلدان المركز من تشغيل ثلاجاتهم. ومن ثم، لا بد من اصلاح النظام العالمي للطاقة وتوزيع استخدام الثلاجات في العالم بشكل عادل.

الشعب انقسم لنصفين. من هم فوق الأربعين مصمصوا شفاهم وقالوا إنها عطلانة من يوم وعوا على الدنيا، ومن ثم فكل واحد يتصرف بطريقته للتعامل مع الوضع. لكن حين يجيء رئيس جديد ويدعي أنه سيصلحها يصدقوه ويصفقون له، ثم ينفضون من حوله بعدها بخمس أيام عائدين ليقينهم السلبي الذي اعتادوه وصاروا يرتاحون له. أما الأقل من سن الأربعين فيجزون على أسنانهم وينتفضون لهذا الجانب أو ذاك، معلقين أملهم كل مرة على من يقول شيئا يبدو منطقيا لهم، أو تبدو عليه أمارة معرفة الحل، ثم سرعان ما ينفضوا من حوله – أو ينقضوا عليه – حين يقول شيئا لا يعجبهم، أيا كان هذا الذي يعجبهم.

في الأثناء، يستمر الطعام في الفساد، ونحن في التهامه، والوقوع فريسة لأمراضه، والموت المبكر.

هل هناك حل؟

طبعا هناك حل، لكن بدايته هو التشخيص البارد للمشكلة، ولقدراتنا، وللمطلوب إنجازه، دون مجاملة ولا تجميل.

نرجع للبديهيات. معنى “الثلاجة عطلانه” انها لا تعمل، آه والله. أي بغض النظر عمن يسيطر عليها، هي لا تعمل. أي، لو تنحى الرئيس فلان، وتولى الرئيس علان، برضه لن تعمل. أي، بغض النظر عن اخلاص الرئيس، ومعاونيه، ومعاوني معاونيه، وأخلاقهم، وطيبة قلبهم أو قسوتهم، وكونهم لصوصا منتفعين أو ملائكة من السماء، برضه الثلاجه عطلانه.

الثلاجة عطلانه معناه ان المشكلة في الثلاجة، ليست في أي شيء آخر. هذه ملاحظة بديهية رقم ١.

هل لو أطحنا بالرئيس والنظام الفلاني، وجئنا بالرئيس والنظام العلاني، سينصلح حال الثلاجة تلقائيا؟ بديهيا الإجابة لا. ممكن أن يكون العلاني أغبى من الفلاني، كما تشهد التجربة، ومن ثم يخربها أكثر ما هي خربانة. إذا – مازلنا مع البديهيات – المطلوب ليس فقط تغيير الرئيس أو النظام، وانما الإتيان برئيس ونظام يعرف كيف يصلح أم الثلاجة. المطلوب رئيس ونظام يعرف كيف يصلح الثلاجة. هذه هي البديهية رقم ٢.   

كون الثلاجة عطلانه من عشرات السنين (البعض يقول ٤٠، والبعض يقول ٧٠، والبعض يقول ٢٠٠) معناه أن المشكلة فينا نحن كمجتمع. من المستحيل منطقيا أن تكون الثلاجة عطلانة كل هذه المدة بالصدفة. كونها عطلانة رغم تبدل الإيديولوجيات والنظم الحاكمة، وتغير النظام الدولي كله، أننا بسلوكنا وطريقة تفكيرنا واتخاذنا للقرارات جزء من عطل الثلاجة ومن الفشل في إصلاحها. هذه بديهية رقم ٣.

وأخيرا، نحن لسنا البلد الوحيد العطلان. بل نشترك في هذه المأساة مع عشرات البلاد الأخرى في قارات العالم التعيسة (آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية)، ورغم آلاف الدراسات الخاصة بالتنمية وبفشل الدولة لم يتوصل أحد إلى وصفة سحرية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. الفقر مشكلة عويصة. ضعف الاقتصاد مشكلة عويصة. الاستبداد مشكلة عويصة. الفساد مشكلة عويصة. لا يعني هذا أنها مستحيلة الحل، فهناك من نجح في التغلب عليها، لكن الفاشلون أكثر من الناجحين. كما ان النجاح يستغرق وقتا طويلا. ليس هناك بلد واحد يتحول لقوة عظمى في ثلاث سنين، ولا في ثلاثين. بل ليس هناك بلد فاشل يتحول لبلد ناجح في ثلاث سنوات، لكن ممكن في ثلاثين. صعوبة النجاح واحتياجه لوقت هي البديهية رقم ٤.  

 ضع هذه البديهيات بجوار بعضهم البعض واستخلص النتائج.

  • الخناقة حول من يمسك باب الثلاجة العطلانه لا قيمة لها
  • هل هناك من يعرف كيف يصلح الثلاجة – يعرف بجد وليس كلاما عاما؟ وإن لم يكن هناك من يعرف، فهل يدعونا هذا للاستسلام للأكل الحامض أم للتركيز على إيجاد طريقة لاصلاح وتغيير الثلاجة؟
  • ما الذي يتعين علينا تغييره في طريقة تفكيرنا وتعاملنا بحيث نساعد في إصلاح وتغييير الثلاجة؟
  • نعدل توقعاتنا، ونميز بين المراحل والخطوات والأولويات.