Now What وماذا بعد ؟

فشلت الثورة في تحقيق أهدافها، وتم عقاب من شاركوا فيها وتصفيتهم جميعا. ثم أغلق المجال السياسي بالضبة والمفتاح، ثم امتد الاغلاق للمجال العام كله، بحيث أصبح الحبس مصير من يقوم بأي نشاط مستقل في أي مجال، حتى ولو كان تمثيل مسرحية في نادي الصيد أو ابداء الرأي على فيسبوك

نحن هنا الآن

يمكنك الاستسلام للبؤس إن شئت

يمكنك احتراف السخرية من الجميع وتحطيم مجاديف من يحاول فعل أي شيء أو يقول أي شيء بحجة أننا ضائعون في بلد ضائع ولا يحق لأحد منا التحليق بعيدا عن الضياع لأنه لا أمل

ويمكنك التزام السكون وتعزية نفسك بأن الثورة مستمرة وأن التاريخ سينصفها يوما ما

ويمكنك الانكفاء على عملك ومن تحبهم وتجاهل المجال العام

ويمكنك أيضا، بالإضافة لأي مما سبق، اتباع النصيحة التي قدمتها أمل إلى عمر وهما في الفراش

أمل: قل لي، كيف تكون حلوًا هكذا وسوداويًّا إلى هذه الدرجة؟

عمر: انظري أين أنا، أين أعيش، واحسبيها بالعقل. أي نوع من البشر يمكنني كونه في ظل هذه المعطيات؟

أمل: أنت أنضج بكثير من أي فتى في الثانية والعشرين قابلته في حياتي. لِمَ يتوقف عقلك عند تحليل أبعاد المصيبة؟ لم لا تستطيع تجاوزها بالإرادة؟ هل أنت إنسان آلي؟ ألا يمكنك مقاومة هذه الظروف ولو بالتحايل عليها؟ هل أنت أحمق أم ترى جمالً ما في الاستسلام للبؤس؟

عمر: وماذا يمكنني فعله؟

أمل: تعلم أي شيء مفيد لك وللإنسانية. اجعل من نفسك خبيرًا في أمر ما، أي أمر، في نقل الخضَر والفاكهة، في تعليم الأطفال، في السباكة. اختر أي قطاع يستهويك، أي نشاط، وتعلم أصوله وتفاصيله بحيث تفهمه أكثر من غيرك. كل شيء في هذا البلد منهار، ومن ثَمَّ أي خبرة في أي مجال سيكون لها فائدتها. ويومًا ما، في لحظة ما، سيكون هناك حاجة لشخص يفهم في هذا الأمر، وساعتها ستكون أنت موجودًا

عمر: يا سيدتي، مَن أنشأ موقعًا على النت قُبض عليه، مَن سجل أغنية قُبض عليه، مَن ساعد أطفال الشوارع قُبض عليه، مَن كتب تويته قُبض عليه، مَن ارتدى تيشيرتًا قُبض عليه. كلنا مقبوض علينا، داخل الحجز وخارجه

 أمل: اعمل شيئًا لا يُقبض عليك فيه. اكتسب خبرة في شيء ما

عمر: هي ناقصة خبراء! كل هؤلاء العواجيز من حملة الدكتوراه وسنوات الخبرة الطويلة، خبراء في كل شيء ما شاء الله عليهم، من الفيزياء النووية إلى الآداب، وغير قادرين على أي شيء. أول ما يمسك أحدهم منصبًا يتحول إلى المتخلف نفسه الذي سبقه. فيمَ كان نفع الخبراء؟ ألم تفهمي بعد أن المشكلة ليست غياب الخبرة، أن المشكلة أكبر بكثير من هذا؟ سنة السجن هذه لم تفهمك بما يكفي؟

أمل: طبعا هناك مشكلة أكبر، لكن هناك أيضًا مشكلة عدم فهم وانعدام خبرة. قليل جدًّا من يعرف كيفية حل مشاكل هذا البلد. اخرج من قوقعتك، اخرج من تذمرك واكتئابك واكتشف المكان الذي تعيش فيه وكيف تعدل حاله المائل الذي يدفعك للاكتئاب. أنت تعايرني بأني خواجاية، لكن الخواجة الحقيقي هو أنت. أنت تعيش هنا، في مصر أم الدنيا، لكن ماذا تعرف فعلً عن حياة الناس هنا خارج إطار عائلتك وأصدقائك وما تسمعه؟ هل تعرف الناس فعلًا؟ اسأل نفسك

 عمر: طبعًا

أمل: ولا تعرفهم ولا عندك فكرة عنهم. ألم تقل إن أحمد عيد صديقك؟ اسأله

 عمر: أسأله عن ماذا؟

 أمل: اسأله عن معاناته ومعاناة الناس الذين يعيش وسطهم واحكم بنفسك إن كنت فعلً تعرف الناس. نصف سكان مصر تحت خط الفقر. كم واحدًا تعرفه من هذا النصف؟ اذهب واكتشف البلد الذي تعيش فيه. سافر مع أحمد عيد إلى بلدهم وانظر كيف يعيش الناس وسط العذاب وحاول أن تتعلم طريقة لإصلاح جزء من هذا الخراب. الكل يحلم، الكل لديه مطالب، لكن لا أحد لديه فكرة عن كيفية تحقيق ذلك. حين تجد طريقة لمعالجة جزء من مشاكل أحمد عيد والناس الذين يعيش وسطهم، ستجد طريقة للخروج من هذا الاكتئاب

عمر: صحيح، وأنضم إلى البرنامج الرئاسي للشباب

أمل: عدنا إلى السخرية الفارغة

Image result for ‫ميدان التحرير‬‎

فشلت الثورة في تحقيق أهدافها، وتم عقاب من شاركوا فيها وتصفيتهم جميعا. ثم أغلق المجال السياسي بالضبة والمفتاح، ثم امتد الاغلاق للمجال العام كله، بحيث أصبح الحبس مصير من يقوم بأي نشاط مستقل في أي مجال، حتى ولو كان تمثيل مسرحية في نادي الصيد أو ابداء الرأي على فيسبوك

نحن هنا الآن

افعل شيئا يا مت، كما قال عزيز نسين، أو لا تفعل، واغرق في الأسى على نفسك

د. عزالدين شكري فشير