هل العرب غير جاهزين للديمقراطية؟

أقرأ هذا العام مع طلبتى الأمريكيين نصوصا فى تاريخ الفكر السياسى العربى. يبدأ معظم هؤلاء الطلبة من الفكرة الشائعة بأن العرب لم يعرفوا فى تاريخهم سوى الحكم الاستبدادى، مما جعلهم شعوبا خانعة غير قادرة على ممارسة الحرية والديمقراطية بشكل مسؤول، فإما يُحكمون بقبضة من حديد أو ينزلقون إلى الفوضى.

نقرأ سويا عن المعادلة الأساسية التى استندت إليها شرعية الحكم فى العالم العربى منذ «سقيفة بنى ساعدة» فى القرن السادس حتى المماليك فى القرن الثامن عشر، وهى طاعة الناس للحاكم مقابل تعهده بنشر الأمن، وتطبيق القانون، وعدم إرهاق الناس بضرائب غير عادلة. معادلة كتب عنها الماوردى والغزالى والفارابى وابن سينا وابن تيمية. معادلة سعد الناس حين احترمها الحكام وعبروا عن غضبهم حين خالفوها، عادة من خلال «القيادات الشعبية». ثم، مع تراكم ظلم الحكام، تطورت المعادلة إلى سعى الناس لمشاركة الحاكم فى قراراته، خاصة تلك التى تتعلق بالضرائب، مثلما حدث حين أجبر أهل القاهرة السلطان العثمانى على عزل واليه وتعيين قائد عسكرى اتفقوا معه على احترام هذه المعادلة، وعلى ألا يقطع أمرا دون مشورة القيادات الشعبية (ثم قمعهم محمد على بعد توليه الحكم وعاد للاستبداد).

نقرأ عن المرحلة الثانية: الضغط على الحكام لتقييد سلطاتهم بدساتير مكتوبة وإشراك مجالس ممثلة للشعب فى اتخاذ القرار، وهى الدعوة التى قادها كتاب وسياسيون ومشايخ عبر البلاد العربية وفى الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، مثل خير الدين التونسى وعبدالرحمن الكواكبى ومحمود سامى البارودى. هذه الدعوة التى أسفرت عن ميلاد أول دستور عربى فى تونس عام 1860، وإنشاء مجلس شورى النواب فى مصر عام 1866. كلاهما شكل محور السعى الشعبى للمشاركة فى الحكم، والحد من قدرة الحاكم على عقد القروض وفرض الضرائب فى البلدين. ونقرأ عن تواصل هذا السعى ونجاحاته وإخفاقاته خلال القرن العشرين حتى اليوم.

ويسألنى الطلبة فى دهشة: ألا يشبه هذا التاريخ قصة السعى نحو الديمقراطية فى المجتمعات الغربية؟ فلماذا يقول الناس، عندنا وفى بلادكم، إن العرب غير جاهزين للحكم الديمقراطى؟

نشرت في المصري اليوم بتاريخ ٥ مايو ٢٠١٨ بعنوان “عزالدين شكري فشير يكتب للمصري اليوم من تاريخ الفكر السياسي العربي”