خطاب إلى الرئيس: نحن لا نقتل الأسرى

السيد رئيس الجمهورية

بعد التحية

لست من هواة التوقيع على البيانات والعرائض، ولا توجيه المناشدات والالتماسات.إنما أوجه إليك خطابي هذا لأني فقدت الأمل في وقف تنفيذ أحكام الإعدام المتواترة إلا من خلال استخدامك لسلطتك كرئيس للدولة. وأرجو أن تقرأ خطابي هذا بعيدا عن السياسة وخلافاتها، وألا ترى فيه مزايدة أو تزيد، وإنما محاولة مخلصة لوقف إزهاق أرواح لا يحق لنا إزهاقها، ولو باسم القانون. فخلال أيام، ستقوم السلطات بإعدام مواطنين مصريين تمت إدانتهم– وسيلحقهم آخرون – ما لم تتدخل أنت وتوقف التنفيذ.

القتل جريمة، لا ريب في ذلك، وبعض جرائم القتل يبلغ من البشاعة حدا يصعب وصفه، والقصاص حياة ولا ريب. لكن إقدام السلطات العامة على اعدام من قبضت عليهم وأودعتهم السجن ودرأت عن المجتمع شرورهم يتخطى حدود القصاص الى الانتقام والقتل العمد.

فالثابت في دراسات الجريمة أن الإعدام لا يشكل رادعا ضد اقتراف الجرائم. المجرم نوعان: نوع يعتقد أنه سيفلت بفعلته، والآخر لا يهمه العقاب لأن الغضب أو الضلال قد أعميانه. وفي الحالتين يقدم المجرم على فعلته بغض النظر عما إذا كانت عقوبتها السجن المؤبد أم الإعدام. هل ردع الإعدام تجار المخدرات عن نشر سمومهم بين الناس؟ هل ردع إعدام محمد خميس ومحمد البقري العمال عن الإضراب؟ هل ردع إعدام سيد قطب من أتوا بعده عن الإرهاب؟

وإن كان أهل الضحايا يطالبون بالانتقام، فهذا غضب مفهوم تماما.لكن هل واجب الدولة حماية النظام العام ومراعاة اعتبارات العدالة أم الانصياع لشهوة الانتقام ومشاعر الغضب؟

وإن كانت الشرائع الدينية قد أحلت عقوبة القتل فإنها لم توجبها، بل وغلظت من شروط تطبيقها وأولت عليها اعتبارات تخفيف العقوبة الى ماهو دون القتل. هذه الشرائع وضعت الغايات، وأوردت بعض العقوبات – جلها محل اجتهاد درجت المجتمعات على تطويرها مع الوقت. وكلما قلت دموية المجتمع كلما نأى بنفسه عن ممارسة الفعل الذي يكافحه.

قتل النفس البشرية من أشد الجرائم في كل الشرائع، وواجب الدولة حماية مواطنيها من القتلة، أفرادا وجماعات. لكن ذلك لا يعني انزلاق الدولة نفسها لممارسة الفعل الذي تكافحه باسم قوانين هي التي شرعتها لنفسها.

السيد رئيس الجمهورية

أدرك جيدا صعوبة الموقف الذي يقف فيه رئيس أي دولة: فعليه اتخاذ قرارات تؤثر على حياة الملايين من البشر، وهو يتخذ قراراته تحت ضغط واقع سريع الأحداث ومعقد لدرجة يستحيل معها معرفة نتائج هذه القرارات بشكل كامل. أدرك جيدا أن هناك قرارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والعكس. وأدرك جيدا أن استخدام القوة في بعض الأحيان – بما يترتب عليه من تضحيات بأرواح بشر–يبدو وكأنه ينقذ حياة أعدادا أكبر. لكن المحكوم عليهم بالإعدام موجودين في قبضة الدولة بالفعل، ولن يؤدي قتلهم لحماية أحد، بل على العكس.

في ميدان المعركة قد لا يجد الجندي مفرا من قتل عدوه، لكنه لا يقتل الأسرى. هذا الأسير الذي نحافظ على حياته ونعالجه عدو لنا، مغتصب وجائر، رفع السلاح في وجه جنودنا وقتل منهم من قتل، وكان سيقتلنا لو لم نمسك به ونرغمه على الاستسلام. لكننا لا نقتله، لأنه أسير.

فكيف نربأ بأنفسنا عن قتل الأسرى من أعدائنا ولا نربأ بأنفسنا عن قتل المجرمين من مواطنينا؟

السيد رئيس الجمهورية

بحكم مسئوليتك، تتحمل أنت تبعة تنفيذ هذه الأحكام، لا أحد غيرك. لا يمكنك القول ان هذه مسئولية المحقق، أو المفتي، أو القاضي، أو المشرع الذي وضع القانون. لأن القانون والدستور أعطياك هذا الحق الذي أطالبك ياستخدامه اليوم ودون إبطاء. وبإعطائك هذا الحق، وضع المشرع المسئولية النهائية والأكبر على كتفيك أنت. لن يذكر أحد المحقق أو المفتي أو القاضي أو حتى المشرع. مصر كلها، الآن وفي المستقبل، ستذكرك أنت، وستحملك أنت مسئولية تنفيذ أحكام الإعدام هذه أو تعليقها. وأهم من ذلك، ستقابل الخالق سبحانه وتعالى ويسألك عن هذه الأرواح. ولأن تقابل الله بخطأ وقف تنفيذ الإعدام – إن كان ذلك خطئا- خير وأبقى من أن تلقاه بخطيئة قتل أنفس عزلاء جردت من سلاحها ووقعت في قبضة القانون.

أقول قولي هذا بافتراض أن المحكوم عليهم بالإعدام هم فعلا قتلة نالوا محاكمة عادلة وفق تحقيقات سليمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فما بالك ونحن نعلم أن النظم القضائية البشرية، مهما أوتيت من إحكام، عرضة للخطأ. ونعلم أيضا بعد نظمنا كافة عن الإحكام.

لقد مرت مصر بكثير من المحن، لكنها ظلت بعيدة عن الإسراف في تطبيق عقوبة الإعدام، سواء في الجرائم الجنائية أو تلك المتعلقة بالعنف السياسي. لم نكن يوما من بين تلك الدول التي تصدر أحكام الإعدام على العشرات، فما بالك بالمئات. وهو أمر يحسب للشعب المصري ويعكس نفوره من سفك الدماء وإزهاق الروح. ولا أحسب سلامة الوطن وأمنه يتعرضان للخطر لو حافظنا على هذه التقاليد وأبقينا مئات القتلة في السجون بدلا من إعدامهم، لكن من المؤكد أن قتل هؤلاء سيلطخ انسانيتا جميعا، أو ما بقي منها، بدماء لن يمكننا محوها.

ومن ثم أطالبك، كرئيس للجمهورية، بوقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن كافة المحاكم المصرية، المدني منها والعسكري.

وتفضلوا بقبول وافر الاحترام

نشر في المصري اليوم بتاريخ ٢٠ يونية ٢٠١٧