سرد أحداث موت أهل غزة

قد يكون الوقت مناسباً في هذه الليلة لقول الحقيقة، وآلاف من أهل غزة ينتظرون الصباح، لو أسعفهم الحظ وحسابات العسكريين، كي يعرفوا إن كانوا لا يزالون أحياء أم أموات.

قد يكون الوقت مناسبًا في هذه الليلة لقول الحقيقة، بعد أن غادر الآلاف من أهل غزة بيوتهم في شمال القطاع على أمل الإفلات من القتل، بأطفالهم ومتاعهم القليل، حشروا أنفسهم في سيارة أجرة أو ساروا أو تبادلوا التوصيل. ألقوا بأنفسهم إلى المجهول، وهم يعلمون ألا أحد يعبأ بهم أو بحمايتهم، لا عدو ولا صديق.

قد يكون الوقت مناسبًا في هذه الليلة أن نقول لأنفسنا ولهم قولة حق، وهم لا يزالون أحياء، فغدًا ربما يكون كثير منهم قد قتل.

لنقل لهم ولأنفسنا ما نعرفه في قرارة أنفسنا ألا أحد سيحميهم.

المجتمع الدولي لن يحميهم، فهو لا يستطيع حماية أحد حتى إن أراد.

الجيش الإسرائيلي لن يحميهم.

حماس لن تحميهم، فهم يرون فيهم شهداء يسهمون بموتهم في بيان فظاعة الاحتلال ووحشيته، وتعبئة الغضب ضده، وبالتالي في تحقيق المشروع الحضاري السياسي الممتد من عمق التاريخ الى يوم القيامة.

النظم العربية لن تحميهم، فهي لا ترى أنهم مسؤوليتها، وأغلبها غير قادر على حماية مواطنيه، أو غير مهتم.

تمامًا مثل حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله.

والرأي العام العربي لن يحميهم بعضه لا يعبأ حقيقة بهم، وبعضه يرى موتهم ثمن مقبول للمقاومة، وبعضه اعتاد الشجب والتنديد وحرق الأعلام وأصبحت سلوة وسلوة.

ونحن كلنا شهود على هذا القتل الذي يتم تحت سمعنا وبصرنا. كلنا شخوص في سرد أحداث موت معلن.

خلال الأيام السبعة الماضية قتل الجيش الإسرائيلي 175 فلسطينيًا وفلسطينية. كانوا أحياء منذ أسبوع فقط، رجال ونساء وأطفال يسعون خلف حياتهم وأحلامهم ومخاوفهم. هم اليوم تحت الأرض، جثث. وغدا، ربما حين تقرأ هذه الكلمات، سيكون هناك قتلى آخرين.

لا أحد منهم يجب أن يموت. لكنهم سيموتون، ولن يفعل أحد شيئا لإنقاذهم.

لأننا – كعرب- تخلينا عن محاولة السيطرة على حياتنا وعلى أمورنا.

لأننا – كعرب- نخشى من مواجهة الحقائق السياسية وتحمل مسؤوليتها.

لأننا كعرب نفضل المشاعر الملتهبة والغضب والتظاهر، والتهديد، ومراكمة الحقد، على مواجهة الواقع الذي نعيش فيه والتعامل معه بذكاء كي نخفف من وطأته علينا ونتحرك للأمام.

ولهذا سيقتل العشرات من أهل غزة، وغيرها من أهلنا، في الأيام والأسابيع والشهور القادمة. ولن يحميهم أحد.

فاذهب الآن واحرق علمًا إن شئت، قف على سلم أو انضم إلى قافلة تضامن، واهتف حتى تجرح حنجرتك، واغضب واشتبك مع الشرطة واقض وقتًا في الحبس الاحتياطي. لكن لا شيء من هذا سيوقف القتل في غزة، ولا في أي أرض عربية أخرى.

قد يكون الوقت مناسبًا، في هذه الليلة الليلاء، أن نتعلم الدرس الذي يتلى علينا مرارًا وتكرارًا، أن نفهم أن حماية أهلنا من القتل تحتاج منا إخراج رؤوسنا من الرمل الذي ندفنها فيه منذ عشرات السنين.

قد يكون الوقت مناسبا، هذه الليلة، أن نعترف بأننا فشلنا في إدارة صراعنا مع اسرائيل، وأن تكرار الفشل يعني أن أسلوبنا نفسه في حاجة للتغيير، وأن تكرار أقوالنا وأفعالنا لن يؤدي لنتيجة مختلفة عن نتائج نفس هذه الأقوال والأفعال عبر السنين الماضية.

قد يكون الوقت مناسبًا هذه الليلة أن نعيد النظر فيما نفعله، ربما. كي لا تذهب أرواح أهل غزة سدى، بالكامل.

نشر في الشروق في ١٧ يولية ٢٠١٤