الفريق التاني

اختارت أغلبية الناخبين المشير السيسى رئيساً، إيمانا منهم بأن بناء مصر القوية يحتاج لمستبد عادل- مثل محمد على وعبدالناصر- يصلح مؤسسات الدولة ويضبط إيقاع عملها بيد ثابتة، ويقضى على التطرف الدينى المفزع، بينما يحمى التدين السليم، ويواجه المؤامرات الرامية لهدم الدولة وتقسيم مصر ونشر الفوضى الخلاقة فى المنطقة، ويعيد لمصر قيادة العالم العربى وأفريقيا، ويواجه مؤامرات الصهاينة وتسلط الأمريكان وتعالى الأوروبيين.

قال المشير إن تحقيق الديمقراطية سيحتاج إلى 25 عاما، ولم يتوقف الكثيرون عند هذه الجملة، وربما أومأت الأغلبية موافقة. فأغلبية من شارك فى الانتخابات يرى أن مستبدا وطنيا عادلا وقويا ضرورى لمواجهة الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، وبعدها يمكن فتح الباب للديمقراطية بشكل أكثر انضباطا مما عانينا منه خلال السنوات الثلاث الماضية. وإذا كانت الديمقراطية تعنى الفوضى والتخبط والظلم والفقر، فمن المؤكد أن أغلبية الشعب ستنحاز لمستبد يقيم العدل ويعيد النظام والرزق.

نحن إذاً أمام رئيس ونظام يعكس الرؤية السياسية للقومية المصرية التى تحميها دولة قوية ويحققها قائد مسيطر، إن اضطرته الظروف للاستبداد فهو يستخدم استبداده بعدالة ومن أجل المصلحة القومية، لا المصلحة الشخصية له أو لشلة من المنتفعين، وهى الرؤية التى أرستها ثورة يوليو 1952. ولهذا انضم لتأييد المشير، إضافة لقاعدته الشعبية الواسعة، فنانون ومثقفون ويساريون يرون فيه حامى مدنية الدولة، والقوميون- خاصة الناصريين- الذين يرون فيه التجسيد الحقيقى لرؤاهم السياسية.

ونزعم نحن- أنصار ثورة يناير- أن هذه الرؤية السياسية تجاوزها التاريخ، وتجاوزها المجتمع المصرى نفسه الذى تغير لدرجة لم تعد تسمح لهذه الرؤية بالحياة. فأغلبية الشعب فى رأينا تريد دولة من نوع جديد: دولة تسير خلف المجتمع لا تقوده، دولة تكون أداة تمكّن الناس من السعى خلف طموحاتهم، لا دولة يكون الناس فيها جنودا لتحقيق طموحها هى، دولة يحاسب الناس فيها حاكمهم، لا يسعون لرضائه، دولة تحترم حقوق الناس ويكون القانون فيها -لا الدولة- فوق الجميع، دولة تكون جزءا من العالم وتساعد مواطنيها على الاندماج فيه والاستفادة من فرصه الواسعة، لا دولة تخاف من العالم الخارجى وتكرهه. لكن أفكارنا هذه صارت محل شك أغلبية الناخبين، مثلما صارت ثورة يناير نفسها.

وليست هذه أول مرة تنصرف فيها أغلبية الناس عن ثورة يناير وأفكارها وأحلامها خلال السنوات الثلاث الماضية.

فحين أتت الانتخابات التشريعية، ثم الرئاسية السابقة بالإخوان المسلمين، فرح الإسلاميون بـ«نصر الله»، ورأوا فيه إثباتا بأن معظم المصريين قد اعتنقوا رؤيتهم السياسية. قلنا وقتها- نحن أنصار ثورة يناير- إن الناس صوتوا لهم غضبا على النظام السابق، وفشلا منا فى تنظيم صفوفنا، ونتيجة للمناخ الذى سبق الانتخابات. وقلنا وقتها إن الإسلام السياسى تجاوزه التاريخ والمجتمع المصرى، وإن تدين أغلبية الشعب لا يعنى قبوله ممارسة الدولة سلطة أخلاقية عليه تجبره على اتباع سلوك ما باسم الدين. قلنا وقتها إن ما ينتظره الناس من الرئيس والحكومة والبرلمان هو نجاح فى الصحة والمواصلات والتعليم والأمن وغيرها من السياسات الحكومية، واحترام لحرياتهم ولحقوقهم كمواطنين لا مواعظ دينية وأخلاقية. لكن الإسلاميين رفعوا شعار «قالت الصناديق نعم»، واتهمونا بالعمالة والنخبوية والخروج على إرادة الشعب وثوابت الأمة.

ثم سقط الإسلاميون فى اختبار الحكم. سقطت فكرة أن «الإسلام هو الحل» لأزمة الإسكان والأسعار والكهرباء والمرور. حين تولوا السلطة تعامل معهم الشعب باعتبارهم «جماعة سياسية» بالمعنى الإيجابى: أى مجموعة من الكفاءات تقدم سياسات حكومية بديلة للسياسات القائمة، وقيّم أداءهم على هذا الأساس. وهنا سقطت الفكرة الإخوانية: فلا كانوا كفاءات، ولا كانت عندهم سياسات حكومية بديلة. ومن ثم أسقطتهم الأغلبية من نظرها، وتعاملوا معهم باعتبارهم جماعة سياسية بالمعنى السلبى: أى أشخاص كل همهم السلطة لا يختلفون عمن سبقهم سوى فى قال الله وقال الرسول. يقول الإسلاميون إن الذى فشل هم الإخوان كجماعة، لكن الفكرة نفسها لم تفشل. وهو كلام لا يختلف كثيرا عما يقوله اليساريون من أن فشل الدول الاشتراكية لا يعنى فشل الفكرة. أغلبية الشعب لا تلتفت لهذه التبريرات، ولا تحتاج وقتا طويلا كى تميز الناجح من الفاشل، ولا يعنيها الفرق بين النظرية والتطبيق.

والآن، حل دور اختبار الحكم على الفريق الثانى: أصحاب رؤية يوليو 1952 (القائمة على ثلاثى المستبد العادل، والدولة القوية، والقومية). قالت لهم الصناديق نعم. وسيحكمون ويسيطرون على جميع أدوات الدولة. وسنرى إن كانوا محقين فى تصوراتهم، وإن كانت رؤيتهم لاتزال صالحة لمصر وشعبها، فينجحون فى تحقيق ما وعدوا الناس به، أم أنهم مخطئون ونحن- أنصار ثورة يناير- على حق فى زعمنا أن التاريخ والمجتمع المصرى قد تجاوز هذه الرؤية.

والله الموفق والمستعان.

نشر في المصري اليوم بتاريخ ٣١ مايو ٢٠١٤