مقدمة في هزيمة الاستبداد

أيها الغاضبون واليائسون والمكتئبون: هزيمة الاستبداد ممكنة، لكن لها قواعد بديهية، يحسن ألا ننساها. تلك بعضها:

1- المستبد لا يمنح الحرية ولا يجنح للديمقراطية، لا لعدم فهم منه أو قصر نظر فحسب، وإنما هى رؤيته للعالم وعاداته فى اتخاذ القرار وفى التعامل مع الأقل قوة. وبالتالى، لا ينفع النصح معه كثيرا، ولا تحصل على حريتك منه إلا انتزاعاً. فلا يجوز منطقياً أن تنتظر من المستبد قوانين عادلة، أو حماية للحريات، أو انتخابات ديمقراطية، أو شفافية ومحاسبة. ولا يجوز أن يفاجئك هذا، ولا أن تصدم منه أو تكتئب. إن كنت تريد أيا من هذه الأشياء، فعليك انتزاعها، بوسائل ناجعة.

2- لا يجوز لك استخدام وسيلة تضر أكثر مما تنفع، مهما قال لك اليائسون والغاضبون والمتخلفون عقليا. إن كان التظاهر أو الإضراب أو الاعتصام يفيد قضيتك فتظاهر أو اضرب أو اعتصم، أما إن أصبح ضرره عليك أكبر فكف عنه- بغض النظر عن كونه حقا لك- وابحث لنفسك عن وسيلة أخرى. يجب أن تقربك الوسيلة من هدفك، لا أن تمكن خصمك المستبد منك.

3- الثورة الشعبية كالبركان لا يمكنك التحكم فى موعد انطلاقه ولا فى نتائجه، وقد تحرقك حممه فى حين يفلت منها المستبد. فإن وقعت الثورة فتذكر أن العقلاء يفرون من أمام الحمم التى يفرزها البركان، ويحتلون المواقع التى تمكنهم من البقاء أحياء، ومن الخروج منتصرين حين يخمد البركان. أما الحمقى فينتهى أمرهم مهما حسنت نيتهم. الذين يخرجون سالمين غانمين من الثورة هم من لديهم القدرة على تنظيم الناس وحماية أمنهم وتوفير وسائل الإغاثة والمعيشة لهم. قد تأتيهم هذه القدرة من سيطرتهم على مؤسسات الدولة التى تقدم هذه المنافع، أو على تنظيم يمكنهم من تقديمها حين تتعطل مؤسسات الدولة. إن لم يكن لديك هذا ولا ذاك، فستخرج من الثورة خاسراً ولا ريب.

4- قدرتك على هزيمة الاستبداد مرهونة بمدى وضوح رؤيتك للهدف الذى تريد تحقيقه، وللطريق المؤدى لهذا الهدف. لا يكفى أن تطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، بل يجب أن تعرف أى نظام سياسى واقتصادى وقانونى- وأى سياسات حكومية- تحقق هذه المطالب. بلورة هذه الرؤية مهمة التنظيمات السياسية والجمعيات والكتاب ومراكز البحث. بدون هذه الرؤية نكون مجرد مواطنين يحلمون، لا أعضاء فى جماعة سياسية تضغط على الاستبداد.

5- لا يشترط تحول كل مواطن إلى عضو فى تنظيم سياسى. يكفيك أن تدعم هيئة أو حزباً أو مرشحاً فى انتخابات يعكس الرؤية التى تقتنع بها. تدعمهم بمالك أو بجهدك أو بصوتك فى الانتخابات. وتذكر أنه التطابق الكامل بين رؤيتك وبين رؤية التنظيم السياسى أو المرشح مستحيل. فلا يوجد شخصان متطابقان فى الرؤية، لكننا نصطف مع من نشترك معه فى أكبر عدد من الأفكار والسمات.

6- هزيمة الاستبداد تحتاج تنظيما سياسيا له قيادة تعبر عن أنصار الحرية وتتحدث باسمهم. وتعنى القيادة القدرة على تجميع الأنصار وصرفهم حسب الحاجة. أما إن كان أنصار الحرية سادة قرارهم، مثل «الميدان» خلال عامى 2011 و2012، فلن يلقى المستبد بالاً لما يقوله ممثلوهم. انتظام الأنصار تحت لواء قيادة، وقبولهم التحرك والتوقف بناء على قرار قياداتهم هو الذى يترجم قوتهم إلى أداة سياسية تحقق نتائج ملموسة. أما الاعتماد على التعبئة العامة فمثله مثل الاعتماد على جودة الطقس.

7- الغضب واليأس والرغبة فى الانتقام ردود فعل طبيعية على الاستبداد، لكنها لا تصلح لتحديد الطريق إلى مقاومته. مقاومة الاستبداد تحتاج قرارات باردة تزن الخطوة قبل اتخاذها.

8- هزيمة الاستبداد لا تتم من خلال مواجهة واحدة، أو سياسة واحدة. بل تحتاج لسياسات مختلفة ومتوازية، مثل الضغط على السلطة والتفاوض معها، مشاركتها السلطة ومواجهة استبدادها فى آن واحد، المشاركة فى الانتخابات والعمل خارج المؤسسات فى آن واحد. وجود تنظيم سياسى بقيادة متماسكة ضرورى لحسن إدارة هذه العلاقة المركبة، بحيث يضمن التمييز بين الحلول الوسط التى تقربنا من هزيمة الاستبداد وبين الاستسلام الذى يهدر قدرتنا على مواصلة المواجهة.

9- الفعل هو المهم، لا الكلام. فإن أردت مقاطعة الانتخابات يجب أن يكون لديك فعل بديل تقوم به أنت شخصياً. إن كان بديلك هو نظرية ما يجب على الآخرين فعله، فاذهب فوراً للتصويت.

10- تفادى السجن ما استطعت لذلك سبيلا، وتفادى الموت أيضاً، فلدينا ما يكفى من الشهداء.

هذه قواعد عشر لمواجهة الاستبداد (من أصل «قواعد التحرر الأربعين» لكن المساحة لا تكفى). ناقشها بالعقل إن أردت، أما إن كنت سترد عليها بدعاوى الغضب واليأس والانسحاب، يبقى انت جاى تقرفنا مش جاى تتحرر.

نشر في المصري اليوم بتاريخ ٢٤ مايو ٢٠١٤