الصعود إلى الهاوية (الجزء الثانى)
مشهد (1)
نهار – داخلى – فى الطائرة
«عبلة»، فى السادسة والستين، تجلس بجوار شباك الطائرة، مرتدية فستانا أنيقا وحلياً، شعرها مصفف، تحدق من الشباك فى الفراغ. الضابط «خالد»، فى منتصف السبعينيات، يجلس بجوارها وينظر لها فى ضيق. يميل ناحيتها وهو يشير من شباك الطائرة:
– ده الهرم، وده النيل، وده الشعب المصرى. آخر مرة عديناهم كان سنة 2006. لقينا 75% منهم تحت سن 35. عارفة يعنى إيه تحت 35 يا عبلة؟ يعنى أكبر واحد فيهم اتولد سنة 1979، بعد الجزء الأول من الفيلم ما اتعرض بسنة.
-….. (يتقلص وجه عبلة ولا ترد)
– أكبر واحد فيهم لما كان عنده 14 سنة كان الإنترنت والإيميل موجودين، والانفتاح الاقتصادى فات عليه 20 سنة، والسياح الإسرائيليين منتشرين فى سيناء، ومصر حاربت العراق مع أمريكا وسوريا والسعودية، وفيه أحزاب وانتخابات – مزورة بس بتحصل. وفيه معارضة وكُتاب بيهاجموا استبداد الدولة، والدولة ترد إنهم كذابين وإن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية. فالعيال دى طلعت فاهمة إن الديمقراطية حاجة كويسة، وإن لهم حقوق، إن كل المواطنين لهم حقوق متساوية، ابن الغفير زى ابن الوزير، والمسلم زى المسيحى، وإن معيار تقييم الدولة هو الكفاءة مش الكلام، وإنهم زى خلق الله فى بلاد الله كلهم. أكبر واحد فى دُول لما كان عنده 17 سنة كانت قناة الجزيرة والفضائيات شغالة، وعنده دش فى البيت يتفرج منه على العالم براحته: يشوف أفلام جنس أو نشرات أخبار، على مزاجه من غير ما حد يقوله حاجة. أكبر واحد من دول لما كان عنده 19 سنة شاف كلينتون بيتحاكم من الكونجرس علشان كذب. عارفة يعنى إيه كلينتون يتحاكم يا عبلة؟
-…. (عبلة لا ترد)
– إنت لما كان عندك 19 سنة إيه أهم حاجة حصلت؟
– حرب 1967.
– أنا بأه حضرت أيزنهاور واحتلال سيناء فى 56. إحنا اللى شكِّل وعينا هزيمة أفقدت الشعب الثقة فى نفسه، وفى قيادته، وفى أى كلام عن التنمية والتقدم. أفقدته الأمل فى المستقبل وحسسته إنه انضحك عليه وإن كل الكلام اللى بيسمعه كذب. الناس اللى إنتى شايفاهم من شباك الطيارة دول حاجة تانية: شايفين إنهم مش أقل من الناس اللى بيشوفوها فى التليفزيون بتنتخب رؤساءها وبتحاسبهم، وبتحاكمهم. مش أقل من الناس اللى عايشة فى بلاد دولها بتقدم خدمات صحية وتعليم، وسكن وإعانة بطالة، وعندهم شوارع وإشارات مرور، والدنيا ماشية بالمنطق وبالعقل والقانون مش بالاستهبال والبلطجة والضحك على الدقون والصوت العالى. الناس دى وهى عندها 7 سنين شافت أطفال بتحدف الجيش الإسرائيلى بالطوب، والجنود بيضربوهم بالنار والأطفال ما بيتراجعوش، وفى الآخر الجنود هم اللى بيتراجعوا بعربياتهم المدرعة ورشاشاتهم وبنادقهم، بيتراجعوا قدام مدنيين عزل مامعاهمش غير طوب. فاهمة أثر ده إيه عليهم؟
-… (عبلة تنهنه ولا ترد).
– الناس دى عندها مفهوم تانى للوطنية غيرنا، مفهوم تانى للشرف، مفهوم تانى للرجولة وللأنوثة وللجنس، مفهوم تانى للأخلاق وللدين، حتى مفهومهم للنكتة وخفة الدم غير اللى إحنا نعرفه. إنتى جاية دلوقت عايزة تمثلى دور البطولة فى الجزء التانى من فيلم اتعرض من 35 سنة؟
– إيه يعنى؟ أنا عندى خبرة. أنا عملت الدور ده قبل كده.
– خبرة؟ يا مديحة إنتى مواليد 48 – لما مصر كانت جزء من الإمبراطورية البريطانية، لما كان فيه حاجة اسمها الإمبراطورية البريطانية. إحنا بالنسبة لنا التليفزيون اختراع. دول اخترعوا الفاكس وإنت عندك 30 سنة. ثلاث أرباع الشعب ده ماشافش فاكس. دول بيصوروا أفلام بالتليفون ويحملوها على يوتيوب
– طيب ما نقفل لهم يوتيوب ده.
– نقفل يوتيوب؟ يا ستى إنت مش فاهمة ومش هاتفهمى. إحنا بالنسبة للناس دى إفيه، ألشه. مين اللى هايتفرج علينا ويقتنع بأدائنا أو حتى يفهمنا؟ اللى زينا مايعدوش 5% من الشعب. محدش غير الـ 5% دول ممكن يدخل فيلم إحنا أبطاله. ولو دخل هايسيبه ويخرج بعد ربع ساعة.
– يعنى عايز إيه؟ أبطل تمثيل؟ أروح أموت؟
– أنا ما قلتش كده. إحنا نخلى المشهد ده، إنت تبصى من الشباك وأنا أقولك «هى دى مصر يا عبلة» وتدمعى، والكاميرا تعمل زووم علينا. وده يبقى آخر مشهد لينا فى الفيلم وبعدين نجيب ممثلين شباب يعملوا الجزء التانى هما. لأننا لو كملنا الفيلم هايبوظ وهانروح كلنا فى داهية: أنا وإنت والمنتج واحتمال صاحب السينما كمان. دول 75% من الجمهور: يعنى لو قفشوا علينا مش هانعرف نمشى فى الشارع. أنا قلت لك أهه وإنت حرة.
– إيه! (تتوه نظرات عبلة فى الفراغ).
قطع.
نشر في المصري اليوم في ٣ مايو ٢٠١٤