تعبت ولم أعد أستطيع

قال المواطن: «تعبت، ولم أعد أستطيع المواصلة. ليس هذا ما اتفقنا عليه. ليس هذا ما حملنا حياتنا على كفنا من أجله. ليس هذا ما قُتل أصدقائى دفاعا عنه. لم ننزل الشارع فى يناير ولا فى يونيو من أجل نظام يشيطن الثورة ومن شارك فيها، ولا من أجل حكومة تمنع التظاهر الذى أتى بها، ولا دستور يبيح محاكمة المدنيين عسكريا، ولا قبض عشوائى على الشباب وحبس احتياطى ممتد فى ظروف غير آدمية، ولا أحكام إعدام بالجملة

. لا، لم يكن هذا حلمى وحلم من وقف يحمينى من قنابل الغاز على كوبرى قصر النيل. ولا كان حلمنا حين واجهنا الإخوان أمام أسوار الاتحادية. باختصار، ليست هذه مصر التى أريد، ولا مصر التى يمكننى العيش فيها. أنتم معكم السلاح والإعلام والحكم، لكنكم لم تفهموا شيئاً مما جرى، لم تتعلموا شيئاً مما جرى، فاشربوها، مبروك عليكم. لكن عندما تنفجر فى وجوهكم لا تستغربوا». قال المواطن هذا، وتمدد على الأرض ساكنا صامتا.

قال السياسى وهو غير متأكد إن كان المواطن يسمعه: «والله إنى أحلم بما تحلم به، لكن كيف تريد الانتقال مما نحن فيه إلى مصر الأخرى دون عمل؟»

انتفض المواطن: «دون عمل؟ أنا الذى مت فى التحرير. أنا الذى مت فى الاتحادية. أنا الذى قُبض علىّ أمام مجلس الشورى فى تظاهرة سلمية ودخلت السجن. تأتى أنت الذى لم تفعل شيئاً وتقول لى بلا عمل؟ استح على دمك يا أخى».

رد السياسى: «أعلم أنك مت أكثر من مرة، وأن موتاتك تلك هى التى كسرت المعادلة القديمة وفتحت آفاق الأمل للبلد كله. ونحن جميعا مدينون لك. لكنى لا أطلب منك الموت مجددا، بل على العكس: أريدك أن تتوقف عن الموت وتفعل أشياء أخرى أبسط».

نظر المواطن له بنصف عين وسأل متهكما: «مثل ماذا؟ مثل المشاركة فى مسرحية الانتخابات؟ ألم تفهم بعد أيها السياسى الضائع أن الذى يحسم قضية التغيير هو الشارع وليس انتخاباتكم المحسومة نتيجتها سلفاً؟ أتريد منى أن أعطى الشرعية لعملية تعرف جيدا أنها غير عادلة؟ ألن تفيقوا من هذه الأوهام النخبوية وتفهموا أين نبض الناس؟».

قال السياسى: «لكنك لو شاركت فعلا فلن تكون مسرحية، وفى أسوأ الأحوال ستكون مسرحية مكشوفة أكثر. سنتعلم من المشاركة، وسنُرى بقية المواطنين أننا جادون وعاقلون ولسنا مجرد ثوريين محطمين للمبانى العامة، وفى نفس الوقت سندين المخالفات بلا مواربة، ونواصل الضغط، ونفعل نفس الشىء فى انتخابات مجلس الشعب بعدها، وفى المحليات، وفى النقابات، وهكذا نبنى أنفسنا كتيار قادر على الحكم».

هز المواطن رأسه فى أسى: «أنت تريد إعادتنا لجو 2005، نعود لنغمة الإصلاح من داخل النظام، وكأن ثورة لم تقم».

السياسى: «لا أحد يعود للوراء. الماضى لا يعود، أبدا. قد يخيل للبعض أن باستطاعته إعادة الماضى. دعه يحاول مادام هذا اختياره. ودعنا نحن نبنى المستقبل. إن نجح خير وبركة، وإن فشل نكون قد بنينا تيارنا ونظمنا أنفسنا كى نتمكن من إنقاذ البلد ساعتها».

المواطن: «تُرهات. كل ما تقوله هراء، تنظير فارغ. هذا النظام لن يسمح لك ببناء تيار ولا بعمل أى شىء يهدد سيطرته المطلقة، تماما مثلما كان الحال مع الإخوان. وبالتالى فالحل معه هو نفس الحل الذى كان متاحاً أمام سعى الإخوان للسيطرة: الثورة. قد لا يكون وقتها الآن، لكنها قادمة، وساعتها ستطيح بكل شىء. وتلقى به وبك فى سلة مهملات التاريخ».

السياسى: «وعندما تأتى الثورة وتطيح بكل شىء، ماذا ستفعل أنت؟ كيف تضمن ألا تُسرق منك الثورة القادمة مثلما سُرقت سابقتاها؟ لو شاركنا كلنا بقوة نستطيع النجاح، وعندها سننقذ البلد كله. وحتى لو لم ننجح سنكسب نقاطا ونحسن ظروفنا ونعد أنفسنا لليوم الذى يقودنا إليه أنصار الماضى. المطلوب منك المشاركة بقوة، والصبر والمثابرة. وكل خطوة للخلف نتبعها بخطوتين للأمام: موقع بموقع. وإن كنت متأكدا أن الثورة قادمة شارك فى محاولاتنا وانتظر الثورة أو أعدّ لها فى نفس الوقت».

صمت المواطن وأغمض عينيه وهو يهز رأسه فى أسى، ثم تمتم: «تعبت، ولم أعد أستطيع المواصلة. ليس هذا ما اتفقنا عليه. ليس هذا ما حملنا حياتنا على كفنا من أجله…».

نشر في المصري اليوم بتاريخ ٢٩ مارس ٢٠١٤