يسألونك عن باب الخروج

أقول منذ ثلاث سنوات إن عبورنا بسلام للمرحلة الانتقالية يتطلب اتفاقاً وطنياً على أسس الدولة الجديدة تشارك فيه جميع القوى السياسية. قال المجلس العسكرى فى 2011 إن ذلك غير وارد، وقال الإخوان فى 2012 إن ذلك غير مهم، وقال النظام الجديد فى 2013 إن ذلك لم يعد ممكناً. يقولون هذا، ثم يواصلون السؤال، جميعاً، بألم وحسرة، عن باب الخروج من المحنة التى نمر بها منذ ثلاث سنوات.

لا أتحدث اليوم إلى القائمين على الدولة، سواء المنتمين منهم لجناح ديمقراطى مفترض أو لمؤسسات أمنية أو بيروقراطية. ولا أتحدث اليوم إلى جماعة الإخوان المسلمين أو حلفائها أو محترميها أو المتعاطفين معها أو أصدقائها. فقد مللت الحديث لقوم لا يستمعون. هم ماضون فى طريقهم بغض النظر عما يقوله غيرهم، ولدى كل منهم ثقة مدهشة فى قدرته على تحقيق أهدافه. وفق الله هذا وذاك لما فيه خير البلاد والعباد.

لكنى أتحدث اليوم إلى أنصار التغيير، هؤلاء الذين شاركوا فى ثورة يناير، وهؤلاء الذين ساندوها من قريب أو بعيد ولو بالقلب والتمنى. أتحدث لكل هؤلاء الذين صدقوا أن بإمكاننا فعلاً الخروج من عباءة الدولة القديمة، بأفكارها ومؤسساتها البالية، وبناء دولة ديمقراطية حديثة نعيش فى ظلها بكرامة وحرية وعدالة. أقول لكل هؤلاء إن فكرة تعاون الجميع من أجل بناء هذه الدولة قد فشلت. فلا أحد يريد دولة ديمقراطية حديثة سوانا نحن. ومن ثم لم يعد أمامنا سوى الاعتماد على أنفسنا، وحدنا، كى نبنى لبلدنا باباً يخرجها من مشروعات الاستبداد ويقودها نحو دولة الحرية والعدالة الاجتماعية.

باب خروجنا ليس موجة ثورية أخرى: لا تظاهرات جديدة، ولا احتجاجات، لا استخدام للعنف، ولا حشد لإسقاط النظام. طريقنا لبناء الدولة الجديدة- فى وجه استبداد الماضى وخيالاته- هو بناء تيار ديمقراطى منظم، له رؤية واضحة لسياسات تنهض بأحوالنا، يفهمها الناس ويقبلونها. لن يساعدنا أحد، بل سيضعون العراقيل فى وجوهنا طيلة الوقت. السؤال هو هل ننجح فى بناء هذا التيار أم ينجحون هم فى القضاء علينا؟

بناء تيار ديمقراطى منظم عملية صعبة، لم يعتدها السياسيون فى بلدنا، فالتنظيم عمل يتطلب نفساً طويلاً، ومثابرة، واستعداداً لتأجيل قطف الثمار لسنوات، والسياسيون عندنا لا قبل لهم بالتخطيط بعيد المدى، متعجلون لا قبل لهم بغرس شجيرات للمستقبل، لا يرون أبعد من أقدامهم بكثير، يريدون هذه الانتخابات وهذه الفرصة، لا بناء تنظيم يثمر بعد سنوات.

أنصار التغيير فى مصر هم الأغلبية اليوم، وفى كل عام تزداد أغلبيتنا عدداً بانضمام أكثر من مليون ناخب ممن بلغوا الثامنة عشرة. هؤلاء جمهور متعطش للتخلص من القديم البالى والمشاركة فى بناء جمهورية جديدة وحديثة

بلورة رؤية واضحة لسياسات عملية تنهض بأحوالنا أيضا عملية صعبة، لم يعتدها هؤلاء السياسيون. فهم يفضلون اتخاذ مواقف مشرفة حول القضايا العامة الرنانة، لا الدخول فى تفاصيل سياسات تعليم وصحة ومواصلات وإسكان.

كذلك فإن إقناع الناس وربطهم بتيار سياسى بشكل مستمر أيضاً عملية صعبة، لم يعتدها سياسيونا الذين يتعاملون مع أنفسهم وكأنهم يقودون حركات فكرية لا أحزاب تسعى للسلطة. ومن ثم كثيراً ما يكتفون باتخاذ مواقف شجاعة ومبدئية دون تفكير فى النتيجة العملية لمواقفهم على الناس. وهكذا يجد الناس أنفسهم دون خيار عملى سوى قبول ما تمليه السلطة عليهم، حتى وإن أعجبهم نظرياً موقف السياسيين الشجاع.

أنصار التغيير فى مصر هم الأغلبية اليوم، وفى كل عام تزداد أغلبيتنا عدداً بانضمام أكثر من مليون ناخب ممن بلغوا الثامنة عشرة. هؤلاء جمهور متعطش للتخلص من القديم البالى والمشاركة فى بناء جمهورية جديدة وحديثة. ولو كان هناك بديل سياسى ديمقراطى (أى تيار منظم، يطرح على الناس رؤية واقعية لإعادة البناء، ويطرح مرشحيه فى الانتخابات) لانحاز له الناس وسلموه مقاليد الحكم رئاسة وبرلماناً. لكننا مازلنا نفتقر لهذا البديل. وفى كل عام يزداد عدد أنصار التغيير والتحديث فى مصر، ويزداد إحباطنا من غياب البديل، ويزداد سؤالنا عن المخرج مما نحن فيه، والمخرج واضح أمامنا جميعاً: بناء تيار ديمقراطى منظم يطرح رؤية واقعية تواجه مشكلاتنا بطريقة مقبولة للناس.

طبعاً هناك مشكلة فى القيادة، ولم يعد هناك من يعلق أملاً على قادة «المعسكر الديمقراطى» الحاليين. لكن هل شباب هذا المعسكر عاجز عن تنظيم وبلورة رؤية لقضايا الحكم والاشتباك مع الناس؟ وحين ينفد صبرهم من السياسيين، هل سيفقدون الأمل فى السياسة نفسها أم سيبدأون فى تنظيم أنفسهم بأنفسهم، وفق رؤية حديثة للدولة والحكم، واضعين عينهم على المستقبل لا على الحاضر، ونائين بأنفسهم عن المواجهات العبثية والعنترية والجرى فى الشوارع خلف آخر مشكلة واحتجاجا على آخر قرار؟ هل سيتحركون الآن، بحرص وحكمة وبعد نظر وطول بال، كى يستطيعون فتح الباب بعد سنوات، أم سنلقاهم وإيانا فى 2020 نسأل أين باب الخروج؟

نشر في المصري اليوم بتاريخ ٢٥ يناير ٢٠١٤