مشكلة الغرب معنا

نشر فى : الأحد 11 أكتوبر 2009 – 8:42 ص | الشروق

 مثلما قلت الأسبوع الماضى، لا الاعتدال ولا التشدد ولا العنف نجح فى عدل الميزان بيننا وبين الغرب. فقد خذل الغرب من اعتدل، وحاصر من تشدد، ورد الصاع ألفا لمن حاول إرهابه. وفى كل ذلك لم يفلت سيطرته أو يخفف من قبضته على زمام النظام الدولى ولم يتوقف عن متابعة حركتنا بل وسكوننا. وكلما حاول العرب النهوض بأنفسهم عمل الغرب على إفشال محاولتهم. لم كل هذا؟ ما مشكلته معنا بالضبط؟ ما الذى يقلقه فينا لهذا الحد؟

طبعا الغرب ليس جهة واحدة، وإنما منظومة معقدة تضم مجموعات مختلفة لها أهداف ورؤى متباينة، بعضها أكثر تعاطفا وعدالة من البعض. هناك مؤسسات سياسية وعسكرية تركز على الأهداف الإستراتيجية أكثر من غيرها، وهناك مجموعات ومؤسسات دينية واقتصادية ومدنية وفكرية لها رؤى أخرى تتباين فيما بينها. ولكن فى نهاية الأمر فإن كل هذه المجموعات والرؤى تتفاعل وتتصارع فيما بينها وتفرز سياسات تتبناها الدول الغربية إزائنا، وهذه السياسات هى ما يهمنا فى المقام الأول.

وللغرب مخاوف من قديم الأزل، تغير بعضها مع الزمن وحلت مخاوف جديدة محل أخرى تراجعت أو اختفت، وظل بعضها دون تغيير. هذه المخاوف تقع تحت أربع أنواع رئيسية.

أولها الخوف على النفط الذى يشكل وقود الاقتصاد العالمى ووقود الجيوش والأساطيل الغربية والأمريكية (والتى كادت تتعطل عن الحركة عام 1973 لولا أن تدخلت السعودية بهدوء وأعفت الجيش الأمريكى من الحظر العربى على صادرات النفط). الخوف على النفط يدفع الغرب لتأمين صداقة الدول المنتجة له ومنع وصول نظم معادية له للحكم فيها، وكذلك تأمين سلامة توصيله للمستهلك سواء من خلال خطوط أنابيب أو طرق الملاحة البحرية. وهذه مصلحة حيوية ليس لدى الغرب أى استعداد للعبث بها ولو اضطر للقتال من أجلها (وهو ما حدث عدة مرات، وليس فى العراق فقط).

الثانى هو الخوف من قيام نظام يغلق المنطقة العربية أمام الغرب. فالسعى لفتح جميع مناطق العالم أمام النشاطات الغربية ــ الاقتصادية والثقافية والسياسية ــ يرجع للقرن السادس عشر ويعود لحاجة الاقتصاد الرأسمالى للتوسع الدائم، ولنشاط المبشرين، ولخوف الدول الغربية من نشأة قوة إستراتيجية منافسة. وبرغم تلاشى رغبة العرب فى الانفصال عن النظام الغربى أو إنشاء نظام منافس له، إلا أن الدوائر الغربية تنظر بقلق لبعض تعبيرات هذه الرغبة القديمة والتى تظهر من وقت لآخر، مثل الدعوة لإحياء الخلافة الإسلامية، أو لإعادة صياغة قواعد النظام الدولى السياسى أو الاقتصادى ويرى فيها دلائل على «عدم ولائنا» للنظام الدولى، ويخشى أن تتطور ــ إن شدت الأمة العربية حالها فى هذا الاتجاه ــ لقيام نظام منفصل عن النظام الذى يسيطر الغرب عليه ويستفيد منه.

المخاوف الثالثة تتعلق بأمن وبقاء إسرائيل، وما يبدو وأنه رغبة عربية وإسلامية دفينة ــ وأحيانا معلنة ــ فى إزالة الدولة الصهيونية من المنطقة. ولا أعتقد أن هذه النقطة تحتاج لبيان (ولن أجادل فى ترتيب الأهمية بين هذه المخاوف).

أما رابع نوع فهو الخوف مما يراه الغرب انفجارا لتعصب إسلامى كامن ضد أبناء الديانات الأخرى، يعبر عن نفسه فى أشكال مختلفة، سواء كان اضطهادا للأقليات غير المسلمة فى المنطقة أو صراعات ضد دول مجاورة ذات أغلبية غير مسلمة. وقد يدهش القارئ من قدم هذا الهاجس. فعلى سبيل المثال، ليس الخوف الأمريكى من التعصب الإسلامى وليد هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وإنما كان عنصرا حاكما لتعامل الولايات المتحدة مع المنطقة فى بداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى (وقتها كانت «المذابح العثمانية ضد الأرمن المسيحيين» هى عنوان هذا التعصب)، كما كان هذا الخوف جزءا من رد الفعل الأوربى على الأزمة القبرصية، وصراع شمال السودان وجنوبه، والمواجهات الطائفية فى الهند، وأزمة إقليم بيافرا بنيجيريا، وغير ذلك.

ومن محمد على إلى عبدالناصر، ارتطمت محاولات التحديث الكبرى فى العالم العربى والإسلامى ببعض أو كل هذه المخاوف الغربية، وقامت الدول الغربية بمحاربة وإجهاض هذه المحاولات من أجل حماية مصالحها واستمرار سيطرتها على النظام الدولى واحتوائها لنا. هذا التصميم على السيطرة والاحتواء لا يخصنا الغرب به دون غيرنا، بل هو جزء من أدوات السيطرة الغربية على النظام الدولى ككل.

فهناك مخاوف غربية أيضا تجاه الصين واليابان وروسيا، تختلف وتتشابه عن المخاوف الغربية إزائنا، ولكن نتيجتها مماثلة. وقد قام الغرب أيضا باحتواء هذه الدول وتكبيلها بقيوده. ومن ثم قبل أن نقرر كيف يمكن لنا التعامل مع مخاوف الغرب إزاءنا، يحسن بنا أن نرى ما فعله الآخرون. وربما تكون الصين أقرب مثال لحالتنا (إن شاء الله): فكيف تعاملت الصين مع المخاوف الغربية إزاءها؟ وكيف يتعامل الغرب مع نهضة الصين الأخيرة؟