مفيش فايدة

نشر فى : الأحد 13 سبتمبر 2009 – 8:38 ص |الشروق

 لا أعرف على وجه الدقة إن كان سعد باشا قد قال فعلا تلك المقولة المنسوبة إليه أم لا، لكنه لو فعل فلابد وأن ذلك كان على فراش الموت، فهى لحظات مفيش فايدة فعلا من مقاومتها. أما لو قدر له أن يشفى ويعيش سنوات أخرى، فهل كان ساعتها سيطلب من السيدة صفية أن تغطيه أم كان سيقوم ويستأنف العمل؟

سألت نفسى هذا السؤال وأنا أتصفح تعليقات القراء على ما كتبت خلال الشهور الستة الماضية، سواء تلك التى نشرت على موقع الجريدة الإلكترونى أو التى تجشم البعض عناء إرسالها لى مباشرة. ففى كل أسبوع يكتب لى على الأقل واحد من القراء ليقول أنه يتفق مع تحليلى للمشكلة، لكنه لا يتفق مع تصورى لإمكانية معالجتها لأنه من المستحيل تغيير أو إزالة الأسباب التى أدت للمشكلة فى المقام الأول، وأنه باختصار مفيش فايدة ولا داعى لأن أتعب نفسى أو القارئ فى حديث لا طائل من ورائه.

وأنا أحترم هذا الموقف، مثلما أحترم أشياء كثيرة لا أتفق معها، لكنى أعتقد أنه موقف خاطئ مائة فى المائة.

أولا هناك فارق كبير بين التفاؤل والتشاؤم من ناحية، وبين السعى والكسل من ناحية أخرى. يمكنك أن تكون متشائما من فرص النجاح، لكنك تقرر أن تسعى، ويمكنك أن تكون متفائلا بأن فرص نجاحك كبيرة، لكنك تتكاسل. هناك أناس متفائلون بطبعهم وناس متشائمون بطبعهم، كل حسب شخصيته وتركيبته النفسية، وهذا شأنهم الخاص.

لكن سواء كنت متشائما أم متفائلا، فإنك فى نهاية الأمر ستقوم من فراشك وتجد أمامك عددا من الساعات لابد من أن تملئها. وإن كنت مثل بقية عباد الله الذين عليهم أن يسعوا طلبا للرزق فستجد لزاما عليك اتخاذ قرارات عديدة طول اليوم: أى ملابس ترتدى، كيف تذهب لعملك، كيف تتعامل مع زملائك أو شركائك أو زبائنك أو العملاء الذين تقدم لهم خدمة أو الجمهور الذى تعذبه، كيف ترد على أولادك وكيف تعامل أهلك وجيرانك، كيف تنفق النقود القليلة التى لديك، كيف تنفق ما تبقى لك من وقت، وهكذا. فما لم تكن على فراش الموت مثل الزعيم سعد، سيكون أمامك ستة عشر ساعة كل يوم لتأخذ فيها عشرات القرارات. ومهما برعت فى تجنب العمل فإنك فى نهاية الأمر ستضطر لأن تفعل شيئا، والسؤال ساعتها هو ماذا ستفعل؟

إن كنت متشائما بخصوص المستقبل، فهل تفضل أن تحاول البناء وأنت تعلم أنها مجرد محاولة أم تفضل أن تشارك فى الهدم؟ هل تلقى بمخلفاتك فى النيل الملوث أم تضعها فى كيس ورق حتى تجد صندوق قمامة؟ وإن كنت موقنا أن الفساد واستغلال المال العام لهما اليد العليا، فهل تعلم ابنك مكارم الأخلاق أم السرقة والاحتيال؟ ليس هناك مهرب، لا يمكن أن ينام المرء طول الوقت، فى لحظة ما سيجد عليه أن يفعل شيئا، وعندها ليس أمامه سوى أن يختار: إما السعى نحو خير ورقى لا يتحققان بالضرورة أو المساهمة فى الشر والفساد والتخلف.

ثانيا، فإن الشكوى المستمرة من سوء الحال وبئس المصير ليست من شيم الرجال. وحتى إن كانت أسباب سوء الحال تفوق قدرتنا على التغيير، فأبسط مسئولياتنا أمام أنفسنا هى أن نبلور تصورا واضحا لكيفية إصلاح هذا البؤس. ليس من فائدة ترجى من الصراخ بأن الأتوبيس الضخم الذى نركبه يسير فى الاتجاه الخاطئ وبالطريقة الخطأ ويأخذنا نحو آخر الخط ويهدد بأن نصطدم بنقطة النهاية. كلنا متفقون على هذا الوصف، وتكرار الصراخ دون هدف وظيفة البوم والغربان، لا البشر. إن لم نكن نستطيع التأثير على مسار الأتوبيس فأقل ما نفعله هو أن نبلور تصورا واقعيا للمسار السليم وكيفية الوصول إليه والحفاظ عليه، فمن يدرى ربما تتاح الفرصة. وإن لم تتح، نكون قد فعلنا على الأقل جزءا من واجبنا.

أنا لا أعرف تفاصيل وفاة سعد باشا، لكنى أعلم أنه حينما فشل فى تحقيق الاستقلال فى مؤتمر باريس عام 1919 لم يلق بنفسه فى اليم من سطح السفينة التى أقلته من فرنسا، ولم يتمدد فى فراشه طالبا تغطيته حتى يموت، بل حاول تبين الطريق السليم، وسعى قدر استطاعته فى هذا الطريق حتى حان أجله، وساعتها فقط قال كلمته الشهيرة.