الحلم العربي

نشر فى : السبت 11 يوليه 2009 – 4:31 م | الشروق

 آخر ما أريد قوله حول علاقتنا بالعالم العربى إننا نحتاج لإطار جديد لهذه العلاقة وللعمل العربى المشترك ككل، أى نحتاج لاتفاقية عربية جديدة تحل محل الترتيبات المتراكمة وغير المتناسقة وغير الواقعية التى تشل هذا العمل وتغيبه. ولنكن واضحين، لا نحتاج لمشروع جديد لإصلاح الجامعة العربية، ولا لخلق أذرع ومؤسسات جديدة ذات أسماء براقة لكنها فى الحقيقة لا تختلف عن المؤسسات الجامدة القابضة على نفس العمل العربى المشترك. شكرا. المشكلة كما أسلفت تكمن فى المبادىء التى يقوم عليها هذا العمل: وهذه المباديء هى التى يجب تغييرها، ولا يمكن تحقيق ذلك سوى من خلال التوصل لاتفاقية جديدة بين الدول العربية تعيد صياغة الجامعة العربية بالكامل.

هذه الاتفاقية يجب أن تقوم على خمس مبادئ رئيسية.

أولا: خلق صيغة لصنع القرار تحترم مبدأ المساواة بين جميع الدول العربية ــ من مصر حتى جزر القمر، وفى نفس الوقت تسمح للوزن النسبى لكل دولة بأن يعكس نفسه بشكل إيجابى. وهذه ليست فزورة. الاتحاد الأوربى وصندوق النقد الدولى والكونجرس الأمريكى خلقوا صيغ مختلفة ــ وكلها ناجحة ــ للجمع بين المساواة فى الإرادة والاختلاف فى الثقل. هناك نظام الأغلبية المزدوجة، بحيث يكون التصويت فى مسارين: الأول يعطى لكل دولة صوت واحد، والمسار الثانى يعطى لكل دولة عدد من الأسهم يتناسب وثقلها السكانى أو الاقتصادى أو العسكرى أوكل ذلك. يمر القرار إذا حصل على أغلبية الأصوات، أو على أغلبية محددة من هذه الأسهم. بمعنى آخر يمر القرار إن ساندته أغلبية من الدول «كبيرة كانت أو صغيرة» أو إذا سانده عدد كاف من الدول ذات الثقل النسبى الأكبر دون معارضة جماعية من الدول الأصغر حجما. وهناك صياغات عديدة فى هذا المجال، تهدف كلها لتحقيق هدف رئيسى وهو: الحيلولة دون تفرد دولة بالقيادة، حماية الدول الأصغر من طغيان الدول الأكبر، وحماية الدول الأكبر من مشاكسة وابتزاز الدول الأصغر لها، وبالتالى تمكين جميع الدول من العمل سويا دون شعور أى منها بالتهديد لمصالحها أو مكانتها.

ثانيا: الإقرار بأن مصالح الدول العربية تختلف بل تتنازع. وبناء عليه السماح للدول بتبنى سياسات متباينة فى موضوعات محددة دون أن يؤدى ذلك لشل النظام كله، وكذلك تحريم الضغط على مواقف «الدول الشقيقة» وتأليب شعوبها عليها فى حالات الاختلاف. ويمكن إيجاد صيغ تعالج هذه التدخلات حين تحدث، ولو من خلال التحكيم مثلما تفعل منظمة التجارة العالمية فى حالات إغراق السوق.

ثالثا: منع من لا يريد التحرك من منع الآخرين من التحرك، أى عكس مبدأ «فيها لأخفيها». فإذا كانت مجموعة من الدول تريد التحرك بشكل مكثف فى موضوع ما، ولا تريد دول أخرى المشاركة فى ذلك فلا يمكن لهذه الأخيرة أن تمنع شقيقاتها من التحرك.

رابعا: قبول مبدأ السير بسرعات مختلفة فى الموضوعات المختلفة. فلا يمكن التقدم فى التنسيق العربى على جميع الأصعدة بنفس الدرجة. فإن كان الدفاع المشترك هو أصعب مجالات التنسيق، فإنه من الممكن دفع التعاون فى مجالات أخرى بشكل أكبر وأسرع. على أن تخضع عملية اختيار أولويات التنسيق وسرعته للمبادئ الثلاثة السابقة.

خامسا: البناء المضطرد والمراجعة الدورية. ففى المجالات التى يصعب التنسيق فيها، الدفاع المشترك، يمكن إتخاذ خطوات متواضعة ابتداء بتبادل المتدربين بين الهيئات الدفاعية وانتهاء بعمليات الإنقاذ البحرى المشتركة. مثل هذه الخطوات تخلق أساس للتعاون فى المستقبل. ويساعد مبدأ المراجعة الدورية للاتفاقية على استمرار تطوير عملية التعاون حتى فى المجالات التى تبدو أكثر صعوبة فى البداية.

هذه المبادئ ليست بدعة، بل هى أسس استندت إليها تجارب التعاون الناجحة بين الدول. وهى ليست مبادئ مثالية تحتاج إلى التضحية بالمصالح الضيقة للدول أو للقيادات، بل على العكس: هى مبادئ تحترم هذه المصالح الضيقة وتدرك حتميتها. بمعنى آخر فإن هذه المبادىء أكثر واقعية من تلك التى تقوم عليها افتراضات العمل العربى المشترك الحالية. ومع ذلك، قد يرى القارئ المتشكك أننى أحلم، وذلك صحيح. لكن هناك فارق بين الحلم وبين الوهم. العمل العربى المشترك القائم حاليا يستند إلى أوهام، وبالتالى لم ولن تقم له قائمة حقيقية رغم كل الجهد المبذول. أما العمل العربى المشترك الذى أدعو إليه فهو حلم، وهو ــ ككل الأحلام ــ قابل للتحقيق بالعمل الجاد والتخطيط الواقعى.