عن الحبل والمركب

نشر فى : السبت 6 يونيو 2009 – 9:19 م | الشروق

 إحدى التهم الموجهة لنا من العالم، هى أننا أمة لا تضيع أى فرصة لتضييع الفرص، أى بالعربى أننا نضيع الفرص المتاحة أمامنا دوما. وهى تهمة أطلقها أباإيبان وزير خارجية إسرائيل فى الستينيات، والتصقت بالأمة العربية من ساعتها وصار عليها شبه إجماع بين ساسة العالم، بل وبعض الساسة العرب. ويرى هؤلاء فى الموقف العربى من عروض تسوية الصراع مع إسرائيل أبلغ دليل على صدق هذه التهمة: رفضنا خطة التقسيم عام 1947 ثم نادينا بها بعد أن انتصرت إسرائيل فى حرب 1948، رفضنا تحويل خطوط هدنة 1949 لحدود دائمة ثم نادينا بالعودة لها بعد هزيمة 1967، رفضنا عروض باراك فى كامب ديفيد وطابا عام 2000 لننادى بها بعد ذلك، رفضنا عرض أولمرت فى 2008، وسننادى به الآن، وهكذا.

وهذه تهمة صحيحة وباطلة فى آن واحد. صحيحة لأننا فعلنا كل هذا، وأكثر. لكنها باطلة لأنها لا تحكى سوى نصف القصة الحقيقية.

هناك نكتة حول رجل دين يحيط الماء بمنزله ويهدد بإغراقه مع الوقت. يأتيه فريق إنقاذ فى قارب ممتلئ ويعرض عليه الوقوف داخل القارب لأن المقاعد مشغولة وأن يترك متاعه خلفه عدا حقيبة صغيرة لا يتجاوز وزنها خمسة كيلوجرامات، فيرفض التخلى عن منزله وممتلكاته، مؤكدا أن ربه لن يتركه. بعد ساعة يأتيه فريق إنقاذ آخر ويعرض عليه أن يجلس على حافة القارب لعدم وجود أماكن داخله، وأن يترك متاعه كله عدا نقوده، فيرفض طبعا، مؤكدا أن ربه لن يتخلى عنه.

ثم يأتيه فريق ثالث فيعرض عليه أن يربط نفسه بالقارب بحبل ويسبح خلفه لعدم وجود أماكن داخل القارب أو فوقه، على أن يترك كل متاعه ونقوده وملابسه كيلا يغرق، فيرفض رفضا باتا مؤكدا أن ربه لن يتخلى عنه. ثم يأتيه الفيضان ويغرق هو ومنزله. عند الحساب سأل رجل الدين الملاك لماذا تركه ربه يموت وهو الذى أنفق عمره فى خدمته، فذكره الملاك بفرق الإنقاذ الثلاث التى أرسلها له ربه الواحد تلو الآخر، متسائلا فى استنكار عما إذا كان ينتظر منه أن يأتى إليه سبحانه وتعالى بنفسه وينقذه.

المفترض فى النكتة، وفى التهمة الموجهة إلينا، أننا ورجل الدين أخطأنا التقدير، وكان علينا أن نرضى بقليلنا ونقنع بالفرصة التى أتيحت أول مرة حتى ولو كانت غير عادلة أو تتضمن مخاطر، أو نقبل بأى من الفرص الأسوأ التى تلت وذلك لأنه فى كل مرة نرفض أن تكون الفرصة التى تلى أسوأ من سابقتها. وهذا صحيح فى حالة واحدة فقط، أن رجل الدين ونحن حين نرفض «الفرصة» سنكتفى بالجلوس فى بيتنا والدعاء. إن كان هذا هو الحال فطبعا يجب أن نرضى بأى فرصة تتاح لنخرج من البيت قبل أن نغرق، حتى لو كانت حبل يجرنا به مركب.

لكن، من قال إننا مضطرون للبقاء فى المنزل المحاط بالماء وانتظار الفرصة القادمة؟ ألا يمكن لرجل الدين ــ ونحن ــ أن نبحث عن مخرج آخر يكون أكثر أمانا من الوقوف فى قارب ممتلئ عن آخره أو خطة تقسيم تعطينا أقل مما نستحق بكثير جدا؟ هذا هو السؤال الذى يتعين الإجابة عنه قبل رفض الفرصة أو قبولها: هل بعد الرفض ستجلس فى مكانك ولا تحرك ساكنا على أمل أن يأتى الرب وينقذك بنفسه أم أنك ستفعل ما أمرك به وتسعى لإيجاد مخرج أفضل بنفسك؟

عندما نرفض الفرصة المتاحة، ولنا كل الحق فى رفض أمثال هذه الفرص المزعومة التى تكاد تكون تنازلا صريحا عن حقوقنا، يجب أن يكون لدينا تصور واضح وقابل للتنفيذ عما سنفعله لحماية حقوقنا والاقتراب من استعادتها. وأن يقترن رفضنا بالبدء فى تنفيذ الخطة البديلة الأفضل. أما إن كنا هاهنا قاعدون، ولا ننوى أو نقدر على البحث بأنفسنا عن طريقة أخرى ننقذ بها حقوقنا وأنفسنا، فالأفضل فى تلك الحالة أن نقبل بالحبل المربوط بالمركب.