جار السوء

نشر فى : السبت 16 مايو 2009 – 7:09 م | الشروق

 جورج بوش وديك تشينى نائبه، ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتس نائبه ودوجلاس فيث مساعده، ومستشارهم ريتشارد بيرل، وبقية من خططوا وساهموا فى العدوان الأمريكى على العراق وزينوا للحكومة الأمريكية خرق القانون وانتهاك حقوق الإنسان، كلهم متهمون بارتكام جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والتسبب فى قتل مليون عربى وتشريد ثلاثة ملايين آخرين وترويع عشرات الملايين والتأثير على مسار حياتهم بشكل جذرى وضد إرادتهم وتدمير دولة بأكملها.

عندما كانت هذه المجموعة هى أقطاب الإدارة الأمريكية والحاكمين بأمر القوة العظمى الوحيدة استحملناهم، كما ينبغى لكل عاقل أن يحتمل جار السوء حتى يرحل أو تأتى مصيبة وتاخده. استقبلناهم وتحاورنا معهم وحاولنا قدر استطاعتنا أن نحد من شرهم ونحتوى الآثار المدمرة لحماقتهم المزودة بأسلحة الدمار الشامل. لكنهم اليوم رحلوا، وحان الوقت لمحاسبتهم.

مجلس الأمن لن ينشئ محكمة خاصة لمحاكمتهم، لأن أى حكومة أمريكية لا تملك سوى معارضة ذلك حتى لو تمنت فى أعماقها أن يخضعوا للمحاكمة (وسربت وثائق تدينهم). والمحكمة الجنائية الدولية لن تحاكمهم لأن الولايات المتحدة ليست طرفا فى المحكمة (ولا نحن، بالمناسبة) ولأن مجلس الأمن لن يحيل القضية للمحكمة مثلما فعل مع السودان. هناك طرق دولية أخرى، بعضها قد يفيد، ولكن بشكل جزئى وبعد سنوات طويلة.

يمكننا إذا أن نتذرع بضيق اليد وقلة الحيلة، وأن نأسى على حال الدنيا وغياب العدالة، ونشكو أمرنا إلى الله وندعوه أن تكون هذه آخر الأحزان، ثم نروح ننام. وغالب الظن أن هذا ما سنفعله، ولكن عندئذ لا يجب أن نفاجئ أو نشتكى عندما تستهين بنا قوة دولية أخرى وتوسعنا قتلا وتدميرا، لأننا ساعتها سنكون قد استحققنا ما يجرى لنا.

ويمكننا أن نأخذ طريقا آخر، اليوم. فيمكن للدول العربية ــ بعضها أو كلها ــ أن تنشئ محكمة خاصة لجرائم الحرب التى ارتكبت فى العراق (فى إطار الجامعة العربية أو خارجها) بقضاة ومدعٍ عام عرب يتمتعون بالنزاهة والمهنية ولهم تاريخ ومكانة دولية (وليسوا موظفين لدى الدول). بحيث يقوم المدعى العام بالتحقيق فيما جرى، وتلقى المعلومات والشهادات من الأفراد والمنظمات العاملة فى المجالات الحقوقية، وتوجيه الاتهام لمن يثبت تورطه فى أى من جرائم الحرب المنصوص عليها فى القانون الدولى وطلب إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه من المحكمة. فإن أثبت المدعى العام مسئولية بوش وتشينى وبقية أفراد العصابة عن جرائم الحرب التى وقعت، تصدر المحكمة الخاصة مذكرات توقيف بحقهم، ويصبح القبض عليهم واجبا إذا وطأت أقدام أى منهم أرضا عربية أو أراضى دولة أجنبية ترتبط مع دولة عربية باتفاقيات تسليم المطلوبين.

وكلما اتبعت هذه المحكمة ومدعيها العام القواعد الدولية المتعارف عليها للمحاكمات العادلة، واتسمت بالشفافية والمعقولية فى عملها وبعدت عن الشطط، وأشركت معها الهيئات العربية والدولية بما فيها المنظمات غير الحكومية ــ باختصار كلما زادت مصداقية المحكمة والمدعى العام، كلما استطعنا مطالبة الدول الأخرى بالتعاون معها، بل وتوفرت لنا أرضية تمكننا من ملاحقة هؤلاء المجرمين قضائيا فى بلدهم.

ربما لن يؤدى هذا لوضع بوش أو تشينى خلف القضبان، لكنه سيمكننا من تثبيت حقنا وجرمهم، وتضييق الخية عليهم وفضحهم وتنغيص عيشتهم إلى الأبد، ويضمن لنا ألا نرى وجوههم فى بلادنا أبدا، فلا يأتون لنا بعد كل هذا ليحاضرونا فى الديمقراطية أو يتربحوا من علاقاتهم بنا مع الشركات الأمريكية. وسيكون ذلك رسالة لأمريكا والعالم كله بأننا لن نقبل بعد اليوم أن ترتكب الجرائم بحقنا ونسكت، وأننا سنسمى الأشياء بأسمائها، وسنسلط الضوء على المجرمين، وسنعاقبهم ــ بطريقتنا وعلى قدر قوتنا – ولن ننسى أو نسكت أو نسامح. وأننا سنفعل ذلك كله دون هيستريا، دون مبالغات ودون عنف، بل بعزة نفس وهدوء، وبالقانون.

قبل أن يأتى أوباما ليوجه رسالته للعالم الإسلامى، علينا نحن أن نوجه رسالة له ولأمريكا بأن هناك أسسا جديدة للتعامل معنا، وألا تكون رسالتنا هذه كلاما، بل فعل.