الريس عمر

نشر فى : السبت 9 مايو 2009 – 6:56 م | الشروق

 الأسبوع الماضى فاز عمر بانتخابات رئاسة اتحاد الطلبة بالجامعة الأمريكية، وكان فوزه مفاجأة للجميع بمن فيهم عمر نفسه، حيث كانت المؤشرات خلال الحملة الانتخابية ترجح كفة محمد ــ المرشح الآخر.

سبق يوم الانتخاب حملة منظمة لها كل أركان الحملة الانتخابية، تجرى وفقا لقواعد يحددها «دستور» مكتوب، ويراقبها «مجلس شيوخ» و«لجنة قضائية». «مجلس الشيوخ» هو فى حقيقته برلمان الطلبة، وهو هيئة منتخبة من الطلبة تتولى مراقبة شئون الاتحاد بما فيه ميزانيته، وتتأكد من أن المرشحين لمنصب رئاسة الاتحاد يطابقون المواصفات (حيث إن هناك مواصفات من بينها مستواه الأكاديمى). كذلك يناقش المجلس المرشحين فى برنامجهم فى جلسة مفتوحة يشارك فيها من يرغب من الطلبة (على سبيل المثال، رأى بعض أعضاء المجلس أن برنامج عمر غير واضح بما فيه الكفاية، ودارت مناقشات ساخنة حول ذلك).

الحملة الانتخابية تضمنت أيضا إجراء مناظرة عامة بين المرشحين عمر ومحمد (كان هناك مرشح ثالث لكنه انسحب فى وسط الحملة، معلنا أنه لا يجد نفسه فى مسألة الانتخابات هذه، واحترمه الجميع على أمانته). قال عمر إنه لا يريد برنامجا مليئا بوعود زائفة، وإنه يريد التغيير، وقال محمد إن لديه برنامجا واقعيا وسينفذه، وأصبح عمر معروفا بين الطلبة بأنه «مرشح التغيير» ومحمد بأنه «المرشح الأوفر حظا فى الفوز». وعلى مدى أسابيع انتظم أنصار كل مرشح فى حملة انتخابية حقيقية، لها تنظيم متكامل وبها متطوعون لكل منهم مهام محددة. ارتدى أنصار محمد فانلات زرقاء فى حين ارتدى أنصار عمر فانلات بيضاء وانتشروا فى حرم الجامعة، يحاورون الطلبة ويحاولون إقناعهم بأهمية اتحاد الطلبة، وبضرورة التصويت يوم الانتخابات، وطبعا بمميزات مرشحهم. جرت الحملة أيضا على الإنترنت، واستخدم الطلبة «الفيس بوك» وغيره للترويج لمرشحهم.

جرت هذه الحملة وفقا لقواعد محددة، أشرفت على تنفيذها «الهيئة القضائية الطلابية»، وهى أيضا هيئة منتخبة من قبل الطلبة تقوم بدور السلطة القضائية فى إدارة شئون الطلاب، وهى مستقلة عن كل من «مجلس الشيوخ» وعن رئيس الاتحاد. على سبيل المثال قررت هذه الهيئة منع «الدعاية السلبية» ــ أى قيام أحد المرشحين أو أى من أعضاء حملته الانتخابية بالنيل من شخص المرشح الآخر ــ وتغريم المرشح الذى يثبت عليه أو على أعضاء حملته القيام بذلك بخصم عشرين صوتا لقاء كل هجوم سلبى (وكادت الهيئة أن توقع هذا الجزاء على حملة عمر بسبب قيام أحد أعضاء حملته بسب المرشح الآخر على «الفيس بوك»)!.

دارت الحملة الانتخابية إذا وفقا لقواعد وأسس متفق عليها، ونفذها الطلاب بسلاسة، وأشرف على تطبيقها هيئات منتخبة من قبل الطلاب. وكان يوم الانتخاب مهرجانا انتشر فيه أنصار الفريقين بألوانهم المختلفة وأشرفت الهيئة الطلابية القضائية على عملية التصويت وعلى فرز الأصوات وأعلنت النتيجة فى آخر اليوم. وفاز عمر، مرشح التغيير، واحتفل به أنصاره، وهنأه محمد المنافس ومعظم من معه، واستأنف الطلبة حياتهم برئيس جديد لاتحادهم. خلال كل ذلك، واظب الطلاب على حضور محاضراتهم، بمن فيهم أعضاء الحملات الانتخابية، وأجريت امتحانات وقدمت أبحاث. لم تنقطع الدراسة، ولم يشتبك أنصار الفريقين بالجنازير، ولم يتهم فريق خصومهم بأنهم عملاء للمباحث.

هؤلاء الطلبة متوسط أعمارهم 20 عاما، غالبيتهم العظمى من المصريين، نظموا انتخابات ديمقراطية وقادوها وصوتوا فيها فى جامعة على أرض مصر دون تدخل من قبل إدارة الجامعة، ودون مشاكل أو تجاوزات. فعلوا ذلك كله دون أن يشعروا أنهم يصنعون معجزة؛ بل يتعاملون مع الموضوع باعتباره أمرا عاديا تماما. لا يعرفون بعد أن الديمقراطية تتنافى وقيمهم الثقافية الأصيلة، وأنهم لا يصلحون لها، وأنهم يحتاجون إلى عشرات السنين من التعلم كى يستطيعوا القيام باختيار حر لمن يمثلهم. لا يعرفون ذلك بعد، لأنهم طلبة. لكن عزاءنا أنهم سيتعلمون ذلك حين يغادرون الجامعة.

مبروك لعمر ولمحمد ولكل طلبة الجامعة على هذه التجربة الصغيرة والكبيرة فى نفس الوقت، وعقبال بقية الطلبة فى بقية الجامعات.