في فائدة الحمص الورق

نشر فى : السبت 30 مايو 2009 – 6:38 م | الشروق

أخشى ما أخشاه أن نخرج من مولد الشيخ أوباما بحمص ورق. ولا أريد أن يفهمنى القارئ خطأ. فأنا أحب باراك أوباما، وسعيد بزيارته للقاهرة وبأنه سيخاطب العالم العربى والإسلامى من مصر، ومن جامعة القاهرة تحديدا، التى هى ــ تاريخيا ــ قلعة العلم ومنارة الفكر المصرى الحديث ومركز القومية المصرية والعربية. ولو كان الأمر بيدى لأقمت له مولدا أكبر، فنظمت له لقاء مفتوحا مع الكتاب والمفكرين ولقاء آخر مع شباب مصر ليسمع ويرى بنفسه كيف نفكر ونشعر إزاء الولايات المتحدة وسياستها، ولأخذته لمواقع العظمة المصرية التاريخية ليفهم من أين يأتينا شعور التميز الذى لا يفهمه أحد، وللعشوائيات كى يرى الأسى الإنسانى مجسدا، وللمدارس المنهكة ليرى الخطر الذى يهدد المستقبل، ولجولة بالهليكوبتر فوق أحياء القاهرة والدلتا ليرى الزحف العمرانى الذى يأكل الأخضر واليابس، وغير ذلك مما يريه حجم التحديات التى نواجهها كمجتمع وكدولة. لكن الأمر ــ ولله الحمد ــ ليس بيدى. وسيأتى أوباما ويقول خطبته ويمضى وينفض المولد سريعا، ونخرج نحن ــ وهذا ما أخشاه ــ لا بحمص حقيقى وإنما بحمص ورق اسمه الانتظار.

انتظار ما سيقوله أوباما عن علاقة أمريكا بنا، ورؤيته لمستقبل هذه العلاقة، ثم انتظار ما سيفعله ترجمة لهذه الرؤية فى العراق وأفغانستان وباكستان والسودان والصومال.

انتظار ما سيقوله أوباما عن إيران، وما إذا كان سيربط مشروعها النووى بأسلحة إسرائيل النووية؟، ثم انتظار ما سيتخذه من خطوات عملية لنرى ما إذا كان سيبيعنا لإيران أم يشترى منا إيران أم يبيعنا نحن الاثنين لإسرائيل؟.
انتظار ما سيقوله أوباما عن تسوية الصراع العربى ــ الإسرائيلى، ثم انتظار ما سيطرحه من مبادرات، ثم انتظار ما سيفعله ليجبر نتنياهو على الانصياع، ثم انتظار نتيجة المواجهة بين الاثنين، ثم انتظار نتيجة ما ستسفر عنه المحادثات التى سيرعاها، ثم انتظار نتيجة الانتخابات الأمريكية للكونجرس، ثم انتخابات الرئاسة القادمة (وربما انتخابات إسرائيلية جديدة فى منتصف الطريق).

انتظار ما سيقوله أوباما عن الديمقراطية فى العالم العربى، وما إذا كان سيضغط على حكوماتنا من أجل التسريع بتنفيذ إصلاحات دستورية تكفل مشاركة أوسع ومحاسبة أكبر أم سيلتزم قواعد الأدب وينأى عن أمور لو علمها تسوءه.
كلها انتظارات، كلها ورق. وأنا لا أحب الحمص الورق، ولا أعتقد أن أحدا يحبه، ولكن يقنع البعض به بفعل اليأس أو قلة الحيلة أو جهلا بحلاوة الحمص الحقيقى أو ظنا أنه غير متاح. ولكن دعونى أؤكد لكم أن هناك حمصا حقيقيا، وأنه أنفع وأحلى، ولكن للأسف لا يتم توصيله للناس فى بيوتها، وإنما يجب علينا أن نقوم ونرتدى ملابس ملائمة ونخرج ونشتريه بأنفسنا من أماكن البيع.

سيقول مدمنو الحمص الورق إننا لا نملك ما ندفع به ثمن الحمص الحقيقى، وأقول بلى. فنحن بعون الله جزء من كل مشكلات أمريكا. باستثناء صواريخ كوريا الشمالية، تجدنا متورطين فى كل المعارك السياسية والعسكرية التى تخوضها أمريكا فى العالم اليوم. ومادمنا جزءا كبيرا من مشكلاتها، فيمكن أن نساومها على حل هذه المشكلات.

على سبيل المثال، يريد أوباما الخروج من المستنقع الذى تورط فيه بوش بالعراق، لكن الخروج تواجهه صعوبات كبيرة. ويمكن لمساعدة عربية فعالة أن تساعد أمريكا على الخروج. وما ينطبق على العراق ينطبق بأشكال مختلفة على أفغانستان والصومال وبقية المناطق الساخنة. مثل هذه المساعدة من الجانب العربى لا يمكن أن يكون مجانيا، بل مقابل حمص حقيقى. وهى أيضا مساعدة ستحسن الوضع العربى العام. صحيح أن تقديم هذه المساعدة سيكلفنا، لكننا يمكن أن نحمّل أمريكا نفسها جزءا من هذه التكلفة. هل هذا ممكن؟ هل يمكن أن نجعل أمريكا تدفع الثمن مرتين؟ الإجابة نعم، لأنها تحتاج إلى تلك المساعدة بشدة وليس لديها من يساعدها غيرنا ــ إن أردنا.

سيقول قائل إنى متفائل زيادة عن اللزوم، وأننا لا نملك المساعدة، وأن أمريكا لا تريد مساعدة منا أو تريدها بدون قائل. وأرد فأقول: لا تتعب نفسك بالمحاولة ولا تضايق نفسك، وكلها عدة أيام وينفض المولد، ومبروك عليك الحمص الورق.