أكله الذئب يا أبي

نشر فى : السبت 18 أبريل 2009 – 4:44 م | الشروق

 هل صب الأب لومه على الذئب أم على إخوة يوسف؟
لماذا؟ لأنهم أضاعو الصبى، لأنهم لم ينتبهوا له بما فيه الكفاية، لأنهم لم يحسبوا حساب الذئب. الكل يعلم أن هناك ذئابا تتربص بالمسافرين وتنتهز فرصة غفلة أحدهم كى تنقض عليه، وقد حذرهم من الذئب قبل الرحيل، ولأنهم يعرفون ذلك فكان ينبغى على الإخوة أن ينتبهوا ليوسف ويحرسوه ويعدوا العدة لحمايته.

لماذا؟ لأنهم مؤتمنون على سلامته، لأن حمايته مسئوليتهم. لم يركز الأب كثيرا على إجرام الذئب وخسة أخلاقه وجشعه وعدوانه على يوسف. لماذا؟ لأنه رجل عاقل، ويعلم أن الذئب لا يلام إن هاجم طفلا أعزل، فهكذا تتصرف الذئاب مع الأبرياء.

لأنه رجل عاقل، لم تعميه المصيبة التى ألمت به عن تبين المسئول عنها: هؤلاء الذين إئتمنتهم على سلامة ابنه ولم يقوموا بواجبهم ولم يتحملوا المسئولية ولم يصونوا الأمانة.

إذا سلمت قيادة قافلة بها أهلك وتجارتك لدليل يزعم أنه يعرف الصحراء وطرقها، فاختار للقافلة طريقا يعرف الجميع أن به لصوصا وقتلة، وفعلا قطع هؤلاء الطريق على القافلة فنهبوها وقتلوا أولادك، على من ستركز لومك؟ على قاطع الطريق وسوء أخلاقه؟ أم على الدليل الذى إئتمنته على قيادة القافلة فأساء اختيار الطريق وخاطر بحياة أهلك وأموالك؟

لماذا إذا لا نلوم قادتنا حين يخطئون فى الحساب وتؤدى أخطاؤهم إلى قتل الآلاف من أهلنا وتدمير مدننا وقرانا وتراجع قضايانا الوطنية؟ لماذا نسايرهم حين يدعون أنهم لم يخطئوا وحين يلقون بالمسئولية على عاتق «العدو الغاشم المجرم الذى لا يحترم المواثيق الدولية»؟ وحين يمن علينا بعض هؤلاء القادة بشبه اعتذار عن خطئهم فى التقدير، كيف نقبل اعتذارهم وكأن لم يكن ونسير خلفهم ونؤيدهم مرة أخرى وكأن القتلى الذين سقطوا والدمار الذى حل والتراجع فى موقفنا كلها أشياء صغيرة، هينة، يمكن أن نتسامح فيها؟

نحتاج لبعض الشدة والحزم مع القيادات الفاشلة التى تجر علينا الموت والدمار والهزيمة، فنحن نستحق الحياة والعمار والنصر.

القيادة مسئولية قبل أن تكون أى شىء آخر. حين يقبل شخص أو حركة سياسية قيادة أمة «أو يستولى على هذه القيادة بقوة السلاح» فإنه يتحمل مسئولية الشئون العامة لهذه الأمة. حين يقوم شخص أو حركة سياسية حاكمة باتخاذ قرارات الحرب والسلام نيابة عن الأمة، فعليه تحمل مسئولية نتائج هذه القرارات، لا إلقاءها على خسة العدو.

وأسأل: من المسئول عن تفتيت السودان وقتل أكثر من مليونين وتشريد أكثر من أربعة ملايين وضياع موارده منذ استقلاله؟ من المسئول عن تدمير العراق عام 1991؟ وجنوب لبنان فى 2006؟

وغزة فى 2008 و2009؟ القائد أم العدو؟
عدونا يكرهنا، ولو استطاع القضاء علينا لفعل. العدو، حين يقاتلنا، يستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة المتاحة له، ولا يتورع عن قتل النساء والأطفال وهدم المنازل على رءوس أصحابها وارتكاب أى جريمة حرب يحتاج لها من أجل تحقيق هدفه من القتال. هكذا كان عدونا، دائما.

ومن ينتظر من العدو أن يكون شهما ورحيما وعادلا هو أشبه بمن ينتظر من الذئب أن يحب الحملان ويرعاها ويحنو عليها.

نحن مواطنون، مدنيون، لا نحمل سلاحا ندافع به عن أنفسنا ضد أعدائنا ولا نتفاوض معهم على سلام. وحين تقوم قياداتنا باتخاذ قرارات السلم والحرب نساندها. ومن ثم فأبسط واجبات هذه القيادات أن تحسب حسابها جيدا ولا تتخذ قرارات هوجاء تجر علينا آلاف الموتى وتبعدنا عن استعادة حقوقنا.

إذا فشلت قياداتنا فى واجبها هذا فعلينا أن نحملها المسئولية المباشرة ولا نقبل منها أعذارا. وإن لم نستطع عزلها فأضعف الإيمان أن نعزلها وننصرف عنها ولا نلتمس لها الأعذار أو نسامحها.

يعقوب لم يكن يستطيع أن يفعل شيئا لإخوة يوسف الذين أضاعوه، لكنه على الأقل عرف من المسئول ولم ينساق وراء حججهم الفارغة حول مسئولية الذئب، ولم يثق بهم مرة ثانية.