العالم لا يعمل عندنا

نشر فى : السبت 14 مارس 2009 – 7:43 م | الشروق

 يعتقد البعض منا أن العالم إما يشتغل عندنا أو أنه خلفنا ونسينا. ويبدى هؤلاء استياءهم الشديد من «تقاعس العالم» عن «تحمل مسئولياته» إزاء مأساة الشعب الفلانى، ويصدمهم ــ كل مرة ــ «سكوت العالم» عما يجرى من أهوال للشعب العلانى.

وفى النهاية يناشدون العالم «الاضطلاع بواجباته» والتدخل من أجل إيجاد تسوية عادلة تحفظ للشعب الترتانى حقوقه المشروعة (طبعا فلان وعلان وترتان كلهم من العرب).

وقد كنت من أنصار هذه المدرسة حتى زرت نيويورك ونفدت نقودى. بعد يومين من الجوع وجدت نفسى أمام مبنى الأمم المتحدة فدخلت وتوجهت بكل ثقة للمطعم الواقع بالطابق الثانى وجلست أنتظر. بعد حوالى ساعة قمت والجوع والغضب يعصفان بى وسألت الموظفة عن طعامى الذى لم يأت.

ابتسمت واعتذرت بأن الخدمة ذاتية وأشارت للمكان الذى أختار الطعام فيه ومكان الدفع، فاعترضت بشدة على مبدأ الدفع. كيف تطالبنى بأن أدفع وقد نفدت نقودى، وأنا جائع، وهناك طعام كثير موجود، وماذا عن كل هؤلاء الذين يأكلون من حولنا؟ تلاشت ابتسامة المرأة وابتعدت دون أن ترد فبدأت أصرخ: أين ضمير العالم؟ ألسنا هنا فى معقل المجتمع الدولى!

هل يقف العالم ويتفرج على وأنا أموت من الجوع؟ كان رواد المطعم ينظرون لى بارتياب وشفقة دون أن يحركوا ساكنا، فذهبت إلى موظفى الاستقبال وطالبتهم بأن يضطلع العالم بمسئولياته مهددا بالجرى حتى نهاية الممر واللجوء لمجلس الأمن. فى هذه اللحظة اضطلع رجال الأمم المتحدة بمسئوليتهم الحقيقية؛ فحملونى لخارج المبنى ونبهوا على الحرس ألا يدعونى أدخل مرة ثانية.

العالم لم يخلفنا وينسانا، ولا هو يشتغل عندنا.
«أوباما» لا يجب عليه أن يفعل لنا شيئا لأن الشعب الأمريكى هو الذى انتخبه وليس نحن، وعليه أن يحمى المصالح الأمريكية وليس الدفاع عن القضايا العربية. وروسيا، سواء استعادت دورها أم لم تستعده، لن تأتى لنصرتنا. وأى رهان على قوة أوروبية أو آسيوية هو من قبيل العبث: لا أحد سيحمى مصالحنا غيرنا.

زمان، أيام مصطفى كامل وسعد زغلول، كان النضال الوطنى أن «نشرح للعالم عدالة قضايانا، ونناشد الضمير الدولى التدخل لصالحنا». لكننا لم نعد شعوبا مستعمرة، ولا يجب أن تقوم علاقتنا بالعالم على المناشدة ثم الاستياء من «التقاعس الدولى». لقد كبرنا.

وأصبحنا سادة أنفسنا، ويجب أن نتحمل مسئولية أنفسنا. إذا أردنا أن نصل لمكان ما، فعلينا أن نعتمد على قدراتنا وتخطيطنا للوصول لهذا المكان، لا أن نتصل بأمين عام الأمم المتحدة ونشرح له أهمية حل المشكلة.

إذا أردنا التجديد والإصلاح. علينا أن ننتقل من مذهب التواكل على العالم إلى مذهب الاعتماد على النفس، وأن نقيم علاقتنا بالعالم على أساس تبادل المنافع.

مطلوب تغيير نظرتنا كأفراد وكهيئات مجتمع وكحكومة لأنفسنا وللعالم: نحن الذين نشتغل عندنا، نحن المسئولون عن أولادنا، نحن الذى يجب أن نداوى جرحانا ونحمى لاجئينا ونعيدهم للحياة الطبيعية، ليس العالم. حتى لو كان العالم هو المتسبب فى تشريدهم وجرحهم، لا يصح أن نترك لحمنا ودمنا فى العراء على أمل أن يأتى العالم «لتحمل مسئولياته»، لأن العالم غير مسئول عنا، ولأن العالم لن يأتى إلا للدفاع عن مصلحته.

نحن الذى يجب أن نأوى ونحمى إخوتنا وبناتنا فى معسكرات النازحين بدارفور ونعيدهم لقراهم، وأن نضغط على أبناء السودان كى يعالجوا مشاكلهم بشكل واقعى دون أن يقتتلوا. نحن الذين يجب أن نصالح طوائف وأقاليم العراق وأن نعيد بناءه، ونمنع الخارجين من تدميره ولو بالقوة.

نحن الذين يجب علينا أن نشيد دولة فى الصومال ونحميها حتى تستقر، ونحن الذى يجب أن نجد حلولا لقضايا فلسطين.

عندما تقع المصيبة القادمة، فى غزة أو بغداد أو دارفور أو مقديشيو، علينا أن نسأل أنفسنا عما سنفعله نحن إزاءها. إن لم نفعل شيئا، سيأتى «العالم» ــ لا لنجدتنا، بل لحماية مصالحه ولو على حسابنا. ولا يصح ساعتها أن نلومه.